عليه، فبايعوه، وبلغ ذلك يزيد فبعث إليهم مسلم بن عقبة، وبعث أهل المدينة إلى كلّ ماء بينهم وبين الشام فصيّر فيه زقّ من قطران وغوّروه، فتتابع المطر فلم يستقوا بدلو حتى وردوا المدينة، فخرج أهل المدينة بجموع كثيرة وأهبة، لم ير مثلها، فلما رآهم أهل الشام هابوهم وكرهوا قتالهم، ومسلم شديد الوجع، فأمر بسريره وهو عليه فقدّم حتى جعل بين الصفّين، ثم أمر مناديه فنادى: قاتلوا عنّي أو فدعوا، فبينا الناس في قتالهم إذ أتاهم أهل الشام من قبل بني حارثة وهم في أجدّ ما كانوا فيه من القتال وهم لا يشعرون، وقيل انّ بني حارثة أقحموهم فسمعوا التكبير من ورائهم فانهزم الناس، فكان من أصيب في الخندق أكثر ممّن قتل، فدخلوا المدينة، وكان عبد الله بن حنظلة مسندا إلى أحد بنيه وهو معي (١) يغطّ نوما فنبّهه ابنه، فلما رأى ما صنع الناس قدّم أكبر بنيه فقتل بين يديه، ثم فعل ذلك بجميع بنيه واحدا بعد واحد حتى قتلوا بين يديه، ثم كسر جفن سيفه وقاتل حتى قتل، ودخل مسرف المدينة ودعا الناس إلى البيعة على أنّهم خول ليزيد يحكم بما شاء في دمائهم وأموالهم وأهليهم، حتى أتي بابن زمعة وكان صديقا ليزيد فقال: أبايع على أنّي ابن عمّ أمير المؤمنين يحكم في دمي ومالي، فقدّمه فضرب عنقه.
وحدثني حفص بن عمر العمري عن الهيثم بن عديّ عن أبي زهير عن أبي أسماء السكسكي قال: لما شارف مسلم بن عقبة المدينة لقي طويسا المغنّي، وهبة الله، وسائب خاثر في آخرين وهم يريدون الشخوص عن المدينة فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: نحن قوم مغنّون فإن أحببت غنّيناك وكنّا
(١) - أي هو عيان، لا يهتدي لوجه مراده، عجز عنه ولم يطق إحكامه. القاموس.