للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأرض الحبشة عبد الله بن عياش، ثم قدم مكة وهاجر إلى المدينة. وكان قد صاحب في هجرته إلى المدينة عمر بن الخطاب، فلما شارفا المدينة، لحقهما أبو جهل والحارث ابنا هشام بن المغيرة، ومعهما الحارث بن يزيد بن أبي نبيشة العامري. فقالوا: يا عياش، إن أمك مريضة، وقد نذرت أن لا تستظل من شمس ولا يمسّ رأسها دهن، ولا تطعم إلا بلغة من الخبز القفار (١) حتى تراك، فرّق لها. فقال له عمر: «ما يريدون إلا خديعتك عن دينك، والله لئن آذى أمك القمل، لتدّهننّ؛ ولتمشطنّ؛ ولئن آذاها حرّ مكة، لتستظلنّ». فقال:

أبرّ قسم أمي؛ ولي هناك مال، فخرج معهما. فلما صار ببعض الطريق، شدّاه وثاقا، وأدخلاه مكة، وقالا: هكذا فافعلوا بسفهائكم. ويقال: إنه قدم المدينة ونزل بقباء، فمنها رجع.

وكان الحارث بن يزيد بن أبي نبيشة قد أعانهما على ربطه. فحلف عياش: لئن أمكنته منه فرصة، ليقتلنه. فلما تخلص عياش، وذلك بعد أحد، أتى المدينة، فإذا هو بالحارث بن يزيد قائما بالبقيع، فقتله وهو يظن أنه كافر، فنزلت فيه: ﴿وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً،﴾ الآية (٢).

- وحدثني عبد الواحد بن غياث، ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه

أن الحارث بن يزيد كان شديدا على النبي . فجاء وهو يريد الإسلام. فلقيه عياش بن أبي ربيعة - وعياش لا يدري - فحمل عليه فقتله. فأنزل ﷿: ﴿وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً﴾ الآية.

ولم يزل عياش بالمدينة إلى أن قبض رسول الله ، ثم خرج إلى الشأم


(١) - القفار: بلا ادام.
(٢) - سورة النساء - الآية:٩٢.