إلاّ احترق، ثم قال: اللهم أمت الأحنف قبل أن يرى لأهل العراق غدرا فمات بالكوفة بعد يسير.
حدثني عبد الله بن صالح حدثني ابن كناسة عن الأشياخ قالوا: لما حضرت الأحنف الوفاة بالكوفة قال: لا تندبنّي نادبة ولا تبكيني باكية، ولا يعلمنّ بموتي أحد، وأسرعوا إخراجي، فأرسل مصعب: إذا حضر اخراجه فأعلموني ففعلوا، فأرسل من أخذ بأفواه السكك لئلاّ تخرج امرأة فانتفجت عليهم امرأة من بني منقر في رحالة وهي تقول:
قل لأميري مصعب إنّني … سأندب المدفون بالقاع
أندبه بالخير لا أبكي … بخير ما ينعى به الناعي
فقال مصعب: دعوها، فلما دفن قامت على قبره فقالت: أيّها الناس أنتم خول الله في بلاده، وشهداؤه على عباده. وإنّا قائلون ومثنّون صدقا، رحمك الله من مجنّ في جنن ومدرج في كفن. فقد كنت من أعظم الناس حلما وأكرمهم فعلا، فلن يرثى بعدك مثلك ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ،﴾ فقال مصعب: صدقت والله كذلك كان أبو بحر وبكى وبكى الناس، وقال مصعب: مات سيّد العرب، قال: ومشى مصعب أمام جنازته متسلّبا إعظاما لموته.
قال: وقدم بموت الأحنف البصرة رجل من بني يشكر، فكذّبه رجل من بني تميم، ثم علم الخبر فقال:
أمات فلم تبك السماء لفقده … ولا الأرض أو تبدو الكواكب بالظهر
كذبت إذا ما قرّ في بطن حامل … جنين ولا أمسى على الأرض من شفر
ولما أتيت اليشكريّ وجدته … بأمر أبي بحر بن قيس أخا خبر