وأمّا قوله:«لا تسبّوا الدّهر فإنّ الدهر هو الله»«١» فما أحسن ما فسّر ذلك عبد الرحمن بن مهديّ قال: وجه هذا عندنا، أنّ القوم قالوا: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ
«٢» فلما قال القوم ذلك، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«ذلك الله» . يعني أنّ الذي أهلك القرون هو الله عزّ وجلّ، فتوهم منه المتوهّم أنّه إنّما أوقع الكلام على الدهر.
وقال يونس: وكما غلطوا في قول النبي صلى الله عليه وسلم لحسّان: «قل ومعك روح القدس»«٣» فقالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسّان: قل ومعك جبريل «٤» ؛ لأنّ روح القدس أيضا من أسماء جبريل. ألا ترى أنّ موسى قال:«ليت أنّ روح الله مع كلّ أحد» ، وهو يريد العصمة والتوفيق. والنصارى تقول للمتنبّي: معه روح دكالا، ومعه روح سيفرت. وتقول اليهود: معه روح بعلزبول، يريدون شيطانا. فإذا كان نبيا قالوا:
روحه روح القدس، وروحه روح الله، وقال الله عزّ وجلّ: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا
«٥» ، يعني القرآن.
وسمع الحسن رجلا يقول: طلع سهيل وبرد الليل. فكره ذلك وقال: إنّ سهيلا لم يأت بحرّ ولا ببرد قطّ. ولهذا الكلام مجاز ومذهب، وقد كره الحسن كما ترى.
وكره مالك بن أنس أن يقول الرجل للغيم والسحابة: ما أخلقها للمطر! وهذا كلام مجازه قائم، وقد كرهه ابن أنس. كأنّهم من خوفهم عليهم العود في شيء من أمر الجاهليّة، احتاطوا في أمورهم، فمنعوهم من الكلام الذي فيه أدنى متعلّق.
ورووا أنّ ابن عبّاس قال: لا تقولوا والذي خاتمه على فمي، فإنّما يختم الله عزّ وجلّ على فم الكافر. وكره قولهم: قوس قزح. وقال: قزح شيطان «٦» ، وإنّما ذهبوا إلى