ولعمر الله إن تركته والشبه المشكلات لتهننّ قواه حتى يدبر عنه ما قد تدانى منه، فقال مروان: إن يكن الله قد سهّل بك أمرا، فمثلك سهّل الله به الوعر وأعان به على حسن العاقبة، فقاربه فإنه مؤاتيك، ثم قال لمعاوية:
أيّها الرجل إنّ الأمور قد لزم بعضها بعضا، فاكمش أمرك، واكتب له بما أراد، فليس مثل عمرو يبخل عليه بالجزيل يطلبه، فكتب له؛ وقال معاوية للكاتب: اكتب لا ينقض شرط طاعة، فقال عمرو: لا ولكن اكتب ولا تنقض طاعة شرطا.
فلمّا قتل محمّد بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما بمصر، غلب عمرو عليها، واستقامت الأمور لمعاوية، فلم يحمل عمرو إليه منها شيئا، فكان أهل معاوية يسألونه أن يكتب إلى عمرو في هدايا مصر فيقول: عمرو جموح طموح منوع، فاعفوني من الكتاب إليه واكتبوا أنتم، فكانوا يكتبون إليه فلا يبعث إليهم بشيء، فقالوا لمعاوية: اعزله، فقال: أمّا عزله فلا، ولكنّي أروّعه بالقدوم فإنّه شبيه بالعزل له، فكتب إليه فقدم، فقال معاوية: يا عمرو بلغني أنّك تقوم على منبر مصر فتذكر بلاءك بصفّين، فإن كان ذلك لله فأجرك عليه، وإن كان للدنيا فقد أعظمنا مكافأتك، فهل علمت أنّك قد نقضت شرطك لردّك كتبي؟ قال: ما رددت لك كتابا أعلم أنّه منك، ولكنّه كانت تأتيني كتب على لسانك؛ فأمّا قيامي على المنبر فلم أرد به منّا عليك، وأمّا قولك إني أعظمت مكافأتك بمصر فعليها بايعتك، قال: انصرف إلى رحلك، فانصرف ثم عاد إليه من الغد، فقال: يا أمير المؤمنين لم أزل أقدح في غارب خير بمصر حتى رجعت إليك، وقد رأيت أن أحضرك ما قدمت به لترى فيه رأيك، فقال معاوية: أمسك عليك مالك،