للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكرهون ولكن الكنيسة تضطهد من تحب.

أما أنا فأقول أيها السادة أن الإسلام لم يضطهد حبيباً ولا عدواً وإذا كانت حضارة الفرنج ومدنيتهم قد أباحتا لهم أن ينشروا لغتهم وهمجيتهم وعلومهم وآدابهم بالقوة والبأس فإن بداوة العرب وهمجيتهم لم تبيحا لهم شيئاً من ذلك في صدر الإسلام وكذب من يزعم أن في التاريخ العربي الجميل إشارة ما إلى أن اللغة العربية قد التجأت في سؤددها إلى القوة أو اعتمدت عَلَى السيف.

وكيف لا يكذب ودواوين الحكومة الإسلامية في الشام والعراق ومصر بقيت أعجمية إلى عصر عبد الملك بن مروان أي إلى الزمن الذي استعربت فيه الناس وأصبح من خطل الرأي وسوءا السياسة معاملتهم بغير اللغة التي يفهمونها.

إذاً فما هي الأسباب الحقيقية التي نشأ عنها انتشار اللغة وسؤددها. .؟

إن لبعض الأمم قوة طبيعية تمكنها من القهر والتغلب ومن الفوز والانتصار المادي والأدبي أَنى وجدت وإذا أردت لهذا النوع من المم فلن أجد له مثالاً الآن أصدق من الإنكليز في أمريكا.

أولئك الذين يسحقون شخصية الأمم ويمحقون جنسيتها في أميركا ويغلبون عليهما جنسيتهم ولغتهم ودينهم من غير اعتماد عَلَى قوة ولا اعتداد بسلاح وقد كان العرب من هذا النوع فتمكنوا من التغلب الأدبي ولولا أن لغتهم صادفت من أهل الفرس عداءً وحقداً ومن لغتهم قوة وشدة لأتت عليها في وقت قريب.

وهناك سبب آخر لانتشار اللغة العربية وهو الدين العربي الذي يأخذ كل مسلم بالصلاة ومعنى ذلكم أنه يأخذ كل مسلم بحفظ شيء من القرآن الكريم وليس عَلَى الدين من ذلك بأس فإن الله لم ينزله إلا ليجعل الناس أمة واحدة كما أنه لم يسد بالقوة ولم ينشر بالإكراه.

ولقد نشأ عن اختلاط العرب بالعجم ومصاهرتهم شيء من فساد الألسنة واعوجاجها وظهر اللحن في اللغة من لمولدين والمستعربين وهذا هو الخطر الذي أشرنا إليه آنفاً ولما أحسه العرب في القرن الأول للهجرة نهضوا لإصلاح رسم المصحف ووضع النحو والصرف وجمع اللغة وتدوينها ولكن انقضت الدولة الأموية ولما يحصلوا من ذلك عَلَى شيءٍ كثير.

الآداب العربية في أيام بني العباس