للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا جرم أن هذا الشعب الذي صورنا هنا صفاته الاجتماعية هو شعب عظيم فإن من يضرب صفحاً عن شهواته المادية لنفع المصلحة العامة ومن يفادي براحته وحب ذاته وهو راض ساكن باسم لأجل مصلحة وطنه بعد من الشعوب التي تحيا حياة طيبة.

أللهم إني أحسد الشعب السويسري حسد غبطة على هذه الأخلاق الفاضلة واطلب إليك أن ترزق شرقنا المسكين مثلها حتى لا يموت بفساد أخلاقة وقلة علمه ميتة جاهلية وقد خسر الدنيا والآخرة.

سويسرا: قيودها في الحرية

منذ قام الهلفسيون وكانوا يسكنون في شمالي سويسرا الألمانية الحالية أي في أرض ألمانيا وانضموا نحو القرن الأول قبل المسيح إلى التوتونيين والسميريين وهم مثلهم يحبون الغزو والغارة وأخلاق الحرية تبدو على هذا الشعب الهلفسي الذي سميت سويسرا باسمه هلفسيا وضع هذا الخلق مع لبن أجداده وتسلسل فيه على اختلاف القرون. وما كان أشراف القرون الخالية ولا حكومة الرومان التي استولت على سويسرا نحو خمسة قرون ولا النمسا بعد ولا الأساقفة ورجال الدين وكانوا هم الحاكمين في كثير من بلاد أوروبا ولا دوجات ميلانو وسافوا وبورعونيا ممن حكموا سويسرا يستطيعون أن يشددوا الوطأة على السويسريين لأنهم أشداء من وراء النشأة الجبلية متضامنون بينهم أخوان في السراء والضراء.

من قرأ تاريخ سويسرا يعجب من صبر السويسري ويرى أن حروبه حتى زمن القسوة كانت لطيفة وكثيراً ما كان السويسريون يردون غارات جيرانهم بفزيعهم وتشتيتهم فقط أو بأمطارهم الأحجار من الأعالي أو إلقائهم في البحيرات إرهاباً وما أظن أنه سبق في التاريخ أن محارباً يجيء معتدياً على بلد ويحاصرها ثلاثة أشهر ويضيق خناقها ثم تخدم المحصروين الأقدار ويفيض نهر فيحمل جسراً عليه كمية من عسكر عدوهم فيتركون الحصار ويأخذون بإنقاذ الغقرى كما رقع لمدينة سولور السويسرية فإن صاحب النمسا حاصرها لتخضع له وهي مستقلة ثلاثة أشهر فطاف نهر الآر وحمل طائفة من جنده فبدلاً من أن يغتنم المحصورون هذه الفرصة تنادوا لمساعدة الغرقى فأنقذوا منهم عدداً كثيراً فلما رأي الملك ليولولد من السلوريين هذه الشهامة تأثر جداً وعقد معهم الصلح ورفع عنهم