الصلاة، فقد حرم نفسه فضل حادثة المعراج، وخرج منها صفر اليدين، فكانت للناس فضلا وإكرما، وكانت عليه حسرة ووبالا، الناس فيها وبها قد سعدوا، وهو بسبب تركها- مع من يماثله- قد خسروا، ولو كان في الإسلام ركن أعظم من الصلاة، أو يساميها لفرض في هذه الليلة المباركة، ولكن لم يزاحمها شيء من عظائم التكاليف.
٣- فرض خمسين صلاة ابتداء، ثم تخفيفها إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، مع ثبوت أجر الخمسين نأخذ منه:
أولا: بيان مكانة النبي عند ربه.
ثانيا: علم النبي بهذه المكانة العظيمة.
فالأولى: نعرفها من كون الله سبحانه تعالى قبل سؤال النبي التخفيف حتى جعلها خمس صلوات.
والثانية: من كون النبي تجرأ وراجع ربه عدة مرات، وهو في هذا المكان المقدس، ويراجعه في ماذا؟ في أمر عظيم كالصلاة، لم يفعل ذلك، إلا وهو يعلم أن الله حفيّ به، ولن يخزيه ولن يسوءه، ألم يقل الله له: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى: ٥] ، ولا أظن أن هذه المراجعة تحدث بين وزير وملك من ملوك الدنيا، حتى ولو كان الوزير مفضلا، والملك متفضلا، فنحمد الله عز وجل أولا وآخرا، على ما أنعم به على نبينا في الدنيا والآخرة.
ثالثا: إرادة الله عز وجل رفع الحرج عن هذه الأمة، والتخفيف عنها، مع شفقه النبي عليها، نأخذه من مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ربّه عدة مرات واستجابة الله له في مراجعته.
رابعا: عظيم امتنان الله سبحانه وتعالى على نبيه وعلى أمته، حيث خفف الصلاة عنها، من خمسين إلى خمس صلوات، مع ثبوت أجر الخمسين، وهذا الفضل شمل الضعيف صاحب الهمة المحدودة، الذي لا يستطيع الخمسين، كما شمل هذا الفضل صاحب الهمة العالية، الذي قد يتمنى أن تبقى الخمسين لينال أجرها، فعمّ خير الله ووسع فضله الجميع، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
خامسا: حكم موسى عليه السلام على هذه الأمة أنها لا تستطيع الخمسين، رغم أن الفريضة لم يعمل بها بعد، والأمة لم يعالجها من قبل، قياسا على معالجته لأمة بني إسرائيل.
ونحن نمتن لموسى عليه السلام هذا الصنيع، ونشكره على هذا المعروف، فهكذا أهل الخير، خاصة الأنبياء من أولي العزم، ينفع الله بهم العباد حتى بعد وفاتهم، فهم رحماء بعباد الله، حتى بعد انقطاع تكليفهم ولو لم تكن الأمة أمتهم، فمن اعتاد على بذل الخير