للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدار الزمن منذ أن قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقولة إلى قيام الساعة أم أنها تنقطع مدة من الزمان؟.

فيه رأيان للعلماء، رجح الإمام النووي الرأي الثاني وهو أن هذه المقولة تختص بزمن حياته صلى الله عليه وسلم وقبل قيام الساعة، وحجته في ذلك قصة الأعرابي فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث معللا به خروج الأعرابي، وما ورد في أحداث آخر الزمان عندما ينزل الدجال فترجف المدينة بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه، وقال: وأما بين ذلك فلا.

٤- كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسميها أحد باسم لا يليق بها فلا شك أن قوله صلى الله عليه وسلم: «يقولون:

يثرب وهي المدينة» جاء في سياق الذم لمن يطلق على المدينة يثرب. قال الإمام ابن حجر رحمه الله-: (أي أن بعض المنافقين يسميها يثرب، واسمها الذي يليق بها المدينة، وفهم بعض العلماء من هذا كراهة تسمية المدينة يثرب وقالوا: ما وقع في القرآن إنما هو حكاية عن قول غير المؤمنين) «١» . ونقل- رحمه الله- عن عيسى بن دينار قوله: (سبب هذه الكراهة؛ لأن يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة أو من الثرب وهو الفساد وكلاهما مستقبح) «٢» .

[الفائدة الثانية:]

من السنة اختيار الأسماء الحسنة، وكراهية الأسماء المشتقة من معان رديئة أو مستقبحة، وأن هذا ليس مختصّا بأسماء الأشخاص بل ينسحب إلى أسماء البلدان، كما أن من السنة تغيير الأسماء المستقبحة وحث الناس على عدم استخدامها.

[الفائدة الثالثة:]

ليس من لازم قوله صلى الله عليه وسلم: «تنفي الناس» أن يكون كل من خرج من المدينة يكون في قلبه شيء اقتضى أن المدينة قد أخرجته، قال الإمام ابن حجر رحمه الله: (إنما هو في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ، والمنافق خبيث بلا شك وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة، ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون، وهم من أطيب الخلق فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت) «٣» .

[الفائدة الرابعة:]

بيان أن لله مشيئة كونية وهي نافذة في العباد لا محالة، دليله أن أهل النفاق والزيغ قضت مشيئة الله الكونية أن يخرجوا من المدينة سواء من أراد ذلك أو لم يرد؛ لأن الحديث دل على أن جميعهم سيخرجون منها.


(١) فتح الباري (٤/ ٨٧) .
(٢) انظر السابق.
(٣) فتح الباري (٤/ ٨٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>