يعلق عليهما، وأنا أستبعد أن يكون هذا الكلام صحيحا، للأسباب التالية:
١- ورد في الصحيحين من حديث عائشة، رضي الله عنها، قول الرسول صلى الله عليه وسلم «إن عيني تنامان ولا ينام قلبي»«١» ، ولو كان للنبي صلى الله عليه وسلم، أكثر من عينين، لقال (إن أعيني تنام) وكيف لا يذكر ذلك، والكلام في سياق إظهار فضل الله عليه صلى الله عليه وسلم، كما أن الكلام سيكون مخالفا للواقع.
٢- لو كانت له صلى الله عليه وسلم عينان وراء ظهره، لو صفهما الصحابة رضي الله عنهم ولنقل لنا وصفهما، فإنهم لم يتركوا شيئا يتعلق به صلى الله عليه وسلم إلا وصفوه، فكيف يصل إلينا وصف عرقه وشعره، ولا يصل إلينا وصف ما هو أعظم من ذلك، عينان هما له معجزتان ظاهرتان، ألم يصفوا لنا خاتم النبوة، وكان وراء ظهره، صلى الله عليه وسلم؟!
ولو كانت له عينان محسوستان، ما احتاج النبي صلى الله عليه وسلم لإخبار الصحابة رضي الله عنهم بهما بل وتوكيد الخبر- كما بينت- بمؤكدين لتتيقن قلوبهم.
٣- لو كان عضو الإبصار هما عينان في ظهره أو بين كتفيه صلى الله عليه وسلم لتعذر عليه رؤية أصحابه أثناء سجوده وركوعه؛ لأن الظهر يكون في هذه الحالة متوجها إلى السماء، ولا يقابل من خلفه، بل ما استطاع صلى الله عليه وسلم أن يرى جميع من يصلي خلفه.
ولذلك نقطع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى من وراء ظهره كما يرى من أمامه، رؤية عين حق، ونفوض تلك الكيفية لعلم الله، سبحانه وتعالى، فقد يكون الأمر أعظم من مجرد عينين من حيث قوة الإدراك وتمام الإحاطة، فمن حيث قوة الإدراك فهي ترى كل من يصلي بالخلف ولو كثروا، ومن حيث تمام الإحاطة، فهي عين لا يشترط فيها مقابلة المرأي.
ولا يسعنا إلا أن نقول: سبحان الذي أبدع كل شيء خلقه وأحكم كل شيء شرعه.
[الفائدة الرابعة:]
إجلال وإكبار الصحابة، رضي الله عنهم، للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك لزيادة خشوعهم وسكونهم في الصلاة، لعلمهم أن خشوعهم لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك ما كان هناك داع أن يعلمهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن خشوعهم وركوعهم لا يخفى عليه، بل يقسم لهم بالله على ذلك.
ولا يقال: إن في هذا منافاة للإخلاص ومراقبة الله سبحانه وتعالى، فأحدنا قد يصلي بجوار أحد الأئمة الذين يجلهم فيشعر في نفسه بزيادة الخشوع والرهبة في الصلاة مما لو كان
(١) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، برقم (١١٤٧) .