للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حجة لمن قال: إنها من علامات يوم القيامة واستدلوا لقولهم بقول الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: ١] أي أن الانشقاق سيكون بعد قيام الساعة كتكوير الشمس وانشقاق السماء، والأحاديث الصحيحة حجة عليهم، أما توجيه الآية القرآنية، فقد نقل القرطبي- رحمه الله- عن القراء أن الفعلين إذا كانا متقاربي المعنى فلك أن تقدم وتؤخر واستشهد بقوله تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى [النجم: ٨] ، كما أن قوله تعالى:

وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر: ٢] دليل واضح على أن الآية قد حدثت بالفعل؛ لأن الآيات المصاحبة ليوم القيامة لا يكون فيها تصديق ولا تكذيب، وليس المقصود بها إلزام المعاندين الحجة.

[الفائدة الرابعة:]

وهي فائدة متكررة مع كل معجزة حسية للنبي صلى الله عليه وسلم وهي أن الكفار لا يعوزهم المعجزات حتى يسلموا، فقد رأوا من المعجزات الباهرات ما يلزمهم الحجة، وكانت بعضها بناء على طلبهم ومع ذلك أعرضوا واتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر، قال تعالى:

وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر: ٢] .

٥- حنين جذع الشجرة:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار- أو رجل-: يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا؟ قال:

«إن شئتم» . فجعلوا له منبرا فلمّا كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النّخلة صياح الصّبيّ ثمّ نزل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فضمّه إليه تئنّ أنين الصّبيّ الّذي يسكّن قال: «كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذّكر عندها» «١» .

أقول بدون مبالغة أو مغالاة: إن هذه المعجزة البينة للنبي صلى الله عليه وسلم هي أعظم من أن يتكلم عنها أحد مهما بلغ شأنه وشأوه، ومن تدبرها عرف جلالة قدر النبي صلى الله عليه وسلم ليس عند ربه تبارك وتعالى وعند ملائكته الكرام وليس عند الأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام الذين احتفوا به صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج غاية الحفاوة وسلموا له بالإمامة والسيادة، أو عند أصحابه وأزواجه رضي الله عنهم جميعا، ولكن يبين الحديث الشريف جلالة قدره عند الشجر الذي نظن أنه لا يسمع ولا يرى ولا يحس، والذي نضرب به المثل بالقسوة والغلظة والجفاء لأنه لا قلب له ولا شعور، ولكن هل كل الجمادات هكذا؟ لا والله! شتان بين حجر


(١) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب: علامات النبوة، برقم (٣٥٨٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>