للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموتى، قلت: الأمر ظاهر من وجوه:

١- إحياء الموتى- في الدنيا- على يد نبي معجزة فعلا وهو أمر قد حدث وتكرر في الدنيا على مرأى ومسمع من الناس من قبل عيسى عليه السلام، قال تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: ٥٦] وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة: ٢٤٣] أما بكاء جذع شجرة ثم تسكينها حتى سكونها هو أمر غير معهود ولم يحدث من قبل فيما نعلم.

٢- إحياء الموتى سنة من سنن الله في خلقه، فإن حدث في الدنيا فلا غرابة في ذلك، فالإحياء هو الإحياء سواء في الدنيا أو الآخرة، وهذا الذي بعث بعد موته على يد عيسى عليه السلام كان في الأصل إنسانا يمشي ويتكلم ويعقل، وكل ما حدث أن الله سبحانه وتعالى رد له روحا خرجت منه، أما حنين الجذع فهو أمر مختلف، فلم يكن مجرد إحياء لموتى، حيث إنه استلزم أن يخلق في الجذع روحا جديدة- لم تكن موجودة أصلا- روحا أشبه ما تكون بروح الإنسان الذي له عقل يعي الذكر وأذن تسمعه وقلب يفرح برؤية وملامسة الحبيب ويحزن لفراقه، وما كان الجذع ليحزن ويئن إلا إذا توفر فيه ذلك على هيئة لا يعرفها إلا الله تبارك وتعالى، وهذا قطعا يختلف تماما عن مجرد إحياء الموتى.

٣- إحياء عيسى عليه السلام للموتى كان لإثبات نبوته، وأما حنين جذع النخلة وما بعث الله فيها من روح وغيره إنما كان لإثبات حبّ الشجر وحنينه للنبي صلى الله عليه وسلم.

٦- يسمع ما لا يسمعه أحد:

عن زيد بن ثابت قال: بينما النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النّجّار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستّة أو خمسة أو أربعة فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» فقال رجل: أنا. قال: «فمتى مات هؤلاء؟» ، قال: ماتوا في الإشراك، فقال: «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها فلولا ألاتدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع» «١» .


(١) رواه مسلم، كتاب الجنة، باب: عرض مقعد الميت من الجنة، برقم (٢٨٦٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>