عظيم اعتناء الله- سبحانه وتعالى- لسنة النبي صلى الله عليه وسلم مع حث المسلمين أبلغ الحث على اتباعها، وقد ظهر هذا الاعتناء جليّا واضحا على أحسن ما يكون في الآية الكريمة، وقد جاءت مظاهر هذا الاعتناء على النحو التالي:
١- جاءت ألفاظ الآية الكريمة مطلقة بوجوب اتباع السنة، فقال- تعالى-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ. فلم تقيد الآية وجوب اتباع أمر دون أمر أو حال دون آخر، ولا زمان دون زمان، فعلم من ذلك وجوب الاتباع على كل حال وفي كل زمان وفي كل الأمور.
٢- لم تقتصر الآية على عموم الأمر بالاتباع مثل قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: ٥٩] ، ولكن جاء الأمر مفصلا بوجوب الأخذ بما وردت به السنة ووجوب الانتهاء عما نهت عنه، فقال- تعالى-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.
٣- أمرت الآية الكريمة المؤمنين بتقوى الله عزّ وجلّ بعد الأمر باتباع كل ما ورد بالسنة واتقوا الله، للدلالة على أن اتباع السنة علامة على تقوى الله، فالتقوى واتباع السنة أمران مطردان فكلما زادت تقوى المسلم كلما كان أشد اتباعا للسنة وأكثر تمسكا بها، كما علمتنا الآية ومن ثمّ فمن ادعى تقوى الله عزّ وجلّ وهو مفرط في اتباع السنة فإنه كاذب في دعواه.
٤- ختمت الآية بالوعيد الشديد لمن رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو جفاها، بذكر صفة من أعظم صفات الله التي ترد لتخويف العباد، وهو أنه- تبارك وتعالى- شديد العقاب، ولا شك أن هذا التهديد موجه لمن فرط في السنة أو رغب عنها.
[الفائدة الرابعة:]
استحالة وجود تعارض بين أوامر الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم وبين أوامر النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الشريفة الصحيحة، لأن الله عزّ وجلّ أمرنا بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ولو قدّر وجود تعارض بين الكتاب والسنة لاستلزم الأمر أن الله عزّ وجلّ قد أمرنا بالشيء ونقيضه، وهذا يستحيل في الشرع الحكيم الذي أنزله فاطر السماوات والأرض، ويتفرع عليه أن الذي ادعى وجود التعارض لم يقدح في النبي صلى الله عليه وسلم إنما قدح في المولى- سبحانه وتعالى- كما بينت، فما كان من تعارض في ظاهر اللفظ فقد أزال العلماء هذا التعارض، بإثبات النسخ أو حمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، وقد قال الإمام الشافعي- رحمه الله- تعالى-: (على أهل العلم طلب الدلالة من كتاب الله، فما لم يجدوه نصّا في كتاب الله، طلبوه في سنة رسول الله، فإن وجدوه فما قبلوا عن رسول الله