. تأمينه صلّى الله عليه وسلّم لطوائف كثيرة من الناس، حيث قال:«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن» ، وهذا يدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما كان ينتقم لنفسه، أو يحمل الضغينة والحقد لأحد، وإلا لأثخن في قريش القتل جزاء على ما فعلوه به وبمن آمن به قبل الهجرة وشروطهم المجحفة في صلح الحديبية.
٥. شفقته صلّى الله عليه وسلّم بأمته، وإرادته التوسعة عليها والتخفيف عنها، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ويظهر ذلك جليّا في:
أ. إفطاره صلّى الله عليه وسلّم بعد أن بلغ الكديد بالرغم من اقتراب وقت المغرب، لعلمه أن الناس قد شق عليهم الصيام، وأنهم ما كانوا ليفطروا حتى ينظروا ماذا يفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، ورد عند مسلم:«فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر» كما تدل الواقعة على حسن تصرفه صلّى الله عليه وسلّم إذ بدأ بنفسه فأفطر.
ب. صلاته صلّى الله عليه وسلّم كل الصلوات المفروضة يوم الفتح بوضوء واحد، على غير عادته صلّى الله عليه وسلّم، روى مسلم في صحيحه عن سليمان بن بريدة عن أبيه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى الصّلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيّه فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه قال: «عمدا صنعته يا عمر» .
قال الإمام النووي- رحمه الله-: فيه تصريح بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل، وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانا للجواز كما قال صلّى الله عليه وسلّم:«عمدا صنعته يا عمر» ، وهذا من كمال شفقته بالأمة صلّى الله عليه وسلّم.
[تنبيه:]
الحديث لا يدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتوضأ لكل صلاة، ولكن يدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم ما كان يصلي الفروض كلها في يوم واحد بوضوء واحد، فمفهوم الحديث لا يمنع أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي أكثر من صلاة بوضوء واحد، وهذا تعقيب على ما ذكره واستنبطه الإمام النووي.
رحمه الله.
٦. حسن تعبده صلّى الله عليه وسلّم لله عز وجل، وتواضعه لله. سبحانه وتعالى.، حيث باشر بنفسه ما كان يمكن أن يأمر غيره بمعالجته وفعله، ابتغاء مرضات الله وطلبا لثوابه واجتهادا في مرضاته، فهو الذي قام بتكسير ما حول البيت من أصنام كانت تعبد من دون الله في أطهر