قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن عبدا خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده» ، وقد حضرت عائشة رضي الله عنها واقعة التخيير، لما ثبت عند البخاري عن عائشة قالت: كنت أسمع أنّه لا يموت نبيّ حتّى يخيّر بين الدّنيا والآخرة، فسمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الّذي مات فيه وأخذته بحّة يقول:«مع الّذين أنعم الله عليهم» ... «١» الآية فظننت أنّه خيّر.
[بعض فوائد الحديث]
[الفائدة الأولى:]
في الشمائل النبوية:
١- علو منزلة النبي صلى الله عليه وسلم وكذا إخوانه من الأنبياء- عليهم جميعا الصلاة والسلام- ويظهر ذلك في تخييرهم قبل الوفاة، بين الدنيا والآخرة، ودليل اشتراكهم جميعا في ذلك، قول عائشة، رضي الله عنها:(كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة) ولفظ «نبي» نكرة في سياق النفي فيقتضي العموم.
٢- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:«إن عبدا» ولم يقل: نبيّا ولا رسولا، بل أتى بلفظ «عبد» نكرة، وقد مر أكثر من مرة شرف مقام العبودية لله، عز وجل، وأنها أسمى المقامات.
٣- زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وتقديمه جوار الله عز وجل على البقاء في الدنيا، مع أن هذا التخيير لم يقع على الدنيا بما فيها من أفراح وأتراح، مقابل الآخرة، بل وقع التخيير بين ما يختاره النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه من زهرة الدنيا- أي ما يشاء من صحة وعافية ومال وبنين، ويكون كل ذلك بلا هموم ولا غموم ولا أمراض ولا أسقام؛ لأن الإنسان لا يختار لنفسه إلا كل ما يسعده ويفرحه- وبين ما عند الله سبحانه وتعالى فاختار النبي صلى الله عليه وسلم ما عند الله، وذلك من كمال زهده وتمام حكمته وشوقه إلى لقاء ربه.
يتفرع على ذلك، أن ما عند الله، جل وعلا، هو خير وأبقى وأكمل للعبد المسلم، من دنيا فاز فيها بكل مرغوب، ونجا فيها من كل مرهوب، فإن وجدت مثل هذه الدنيا، وهو من أمحل المحال، فلا يفضلها عبد مؤمن على ما عند الله، من مساكن عاليات وأنهار
(١) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، برقم (٤٤٣٥) .