للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمام هو الأخف ضررا، فالأجر الذي سيضيع على المصلي من عدم حضوره الجماعة أعظم بكثير من الأجر الذي سيفوت من تطويل الصلاة، خاصة إذا أضيف إليها مفسدة هجر المسلم لجماعة المسلمين، كما أن ثواب التطويل لن يفوت المسلم بالكلية، لإمكانية أن يصلي في بيته النوافل ويطيل فيها ما شاء، أما فضيلة حضور الجماعة فستفوت بالكلية إذا صلى المسلم في بيته.

أنّ القضية ليست مقصورة على المشتكي، ولكنها ستتكرر في جميع الأزمنة، وسيزيد عدد المرضى وأصحاب الحاجات، وهو المشاهد اليوم، فأمر الإمام بالتخفيف هو الأولى والأنسب.

علم النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم لن ينتفع بتطويل الإمام، وسيخرج عن خشوعه في الصلاة، إذا كان مريضا أو صاحب حاجة، فليس من الحكمة أن يؤمر بالصبر.

٢- رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم بأمته

وتتبين من:

أ- غضبه كل ذلك الغضب، لسماعه أن إماما يطيل في الصلاة. مع ملاحظة أن الرجل الذي اشتكى، لم يؤكد شرّاح الحديث أن تأخره عن حضور صلاة الجماعة كان للمشقة التي تلحقه من التطويل، بل الرأي القوي في المسألة، والله تعالى أعلم، كما قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى-: (أن الرجل كان يتشاغل عن المجيء في أول الوقت وثوقا بتطويل الإمام وكأنه يعتمد على تطويل الصلاة فيتشاغل ببعض شغله ثم يتوجه فيصادف أنه تارة يدرك الإمام وتارة لا يدركه) ، ودليله ما ورد في إحدى الروايات: «لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان» «١» . ومع ذلك كان كل هذا الغضب من النبي صلى الله عليه وسلم.

ب- من مظاهر الرحمة والشفقة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بتخفيف الصلاة لوجود (ذا الحاجة) ، وهو الذي يكون عنده شغل سواء كان ذلك قضاء مصلحة لنفسه أم لأهله، أم يريد الضرب في الأرض للتكسب، وهذا يدل على أن هذا الدين، قد جمع بين المصالح الشرعية والمصالح الدنيوية، وأنه لا يصطدم مع الواقع، ولا يلغي احتياجات الناس، بل العكس، يطلب من الإمام التخفيف في أعظم ركن من أركان الإسلام، ليستطيع كل أحد أن يقضي مصالحه المباحة أيّا كانت، وهذا ينسجم مع قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ


(١) فتح الباري، (٢/ ١٩٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>