للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخارقات للعقول والعادات، والتي هي للأعداء مفحمات ملزمات، وللأصحاب مقويات مثبّتات، ويتضح ذلك من:

١- سماع الله عز وجل لتحدي الكفار لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهو سماع تأييد ونصرة، ودليل ذلك أن ثبّته بمعجزة عظيمة على الفور، ترفع عنه ما وجده من كرب عظيم، ففي الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فكربت كربة ما كربت مثله قط» .

٢- رفع الله سبحانه وتعالى بيت المقدس لنبيه صلى الله عليه وسلم فرآه رؤية عين واضحة جلية لقوله:

«فرفعه الله لي أنظر إليه» وللعلماء في المسألة أقوال منها: أن الله كشف الحجاب بين نبيه وبين بيت المقدس، أو أنه حمل البيت كله ووضعه أمام النبي صلى الله عليه وسلم حتى رآه ثم أعيد إلى مكانه، أو أنه مثل قريبا منه، ذكرها ابن حجر في الفتح، وكل تلك الأقوال لا نستغربها ولا نستبعدها في قدرة الله، تبارك وتعالى، وما قصة إحضار عرش بلقيس- من اليمن إلى الشام مع عظمته في أقل من طرفة عين- منا ببعيد. ولكن اللافت للنظر والمثير للدهشة، قوله صلى الله عليه وسلم: «فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به» . فلا نتصور أنهم سألوا فقط عن أوصاف المسجد من الخارج كحدوده وأبوابه ونوافذه، ولكن من المؤكد أنهم سألوا عن أوصافه الداخلية، ليزيد تعجيزيهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك أقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى المسجد من مكانه الذي يقف عند الحجر بمكة، فيرى ما بداخل المسجد كما يرى خارجه سواء بسواء، من جميع الزوايا ومن كل المساقط، حتى يستطيع أن ينبئهم عن كل ما سألوه، فما خفي عليه أي جزء من المسجد. من يقدر على ذلك غير الله تعالى؟!.

٣- ومن مظاهر اعتناء الله سبحانه وتعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم الطريقة التي رفع الله بها عنه الكرب الذي ألّم به، فكان من الممكن أن يلهمه الله، سبحانه وتعالى، إجابات شافية لكل ما سألوا عنه، أو يرسل له جبريل عليه السلام، ليلقنه إياها، أو يجعل نبيه صلى الله عليه وسلم يثبتها ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى، ولكن كل هذا لم يحدث مع إمكانيته؛ لأن الله، سبحانه وتعالى، أحب أن يكون التأييد بمعجزة ظاهرة عظيمة تثبّت قلب نبيه صلى الله عليه وسلم.

[الفائدة الثانية:]

خوف النبي صلى الله عليه وسلم الشديد على هذه الأمة، ورد في الحديث: «فكربت كربة ما كربت مثله قط» ، فهذا الكرب كان من خوفه ألايرد على أسئلة المعاندين، فتفتن الأمة، ويكذّب الله ورسوله، ولكن الله، عز وجل، قد حول هذه الخوف إلى معجزة ظاهرة، وأعجز من أرادوا تعجيزه، وبدلا من أن يظهروا كذبه- حاشا لله- ظهر لهم كمال صدقه، وازداد الذين آمنوا إيمانا، بل وازداد هو يقينا من نصر الله سبحانه وتعالى له.

<<  <  ج: ص:  >  >>