١- أن الله تعالى يجمع الناس، كلهم جميعا، في هذا اليوم العظيم، من لدن آدم حتى آخر نفس منفوسة عند قيام الساعة، لا يغيب منهم أحد نسيانا أو سهوا من الله، ولا يهرب منهم أحد عجزا من الله، قال تعالى: لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا [مريم: ٩٤] ، فأيّ قدرة هذه التي تقدر على ذلك، بغير تعب ولا تكلف، وإنما بكلمة كن.
وتدبر أخي القارئ وتأمل قوله- سبحانه وتعالى-: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ [ق: ٤] ، فلم يقتصر علمه- عز وجل-، على ما يحدث فوق الأرض للأحياء، بل نفذ بصره ووسع علمه فيما يحدث للكائنات تحت الثرى والتراب، فالأمر بالنسبة إليه سواء ودليله من الحديث:«يجمع الله الناس الأولين والآخرين» .
٢- أن الجمع سيكون، في صعيد واحد، فأي صعيد يتسع لهذا الجمع العظيم، فلن يكون الجمع، على فترات وكذا الحساب، وقد يظن ظان، أن أحدا قد يخفى على الله- سبحانه وتعالى-؛ لكثرة الخلق، الذي لا يحصي عددهم إلا هو- عز وجل-، فيقول تبارك وتعالى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ [الحاقة: ١٨] ، ولم يقل لا يخفى منكم أحد، فمن لا يخفى عليه أدنى الأمور التي ستكون في الصدور يوم القيامة، كيف يغيب عنه شخص بأكمله؟!
٣- قدرة الله تعالى في الخلق ويتبين ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم:«يسمعهم الداعي» . والداعي ملك، إذا تكلم أسمع الأولين والآخرين، وهي قدرة عجيبة خارقة، وعظم المخلوق يدل على عظم الخالق وبديع صنعه وإحكام خلقه.
٢- الكوثر:
قال تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ.
وورد عند مسلم عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثمّ رفع رأسه متبسّما فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال:«أنزلت عليّ آنفا سورة» ، فقرأ:
بسم الله الرّحمن الرّحيم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)[الكوثر: ١- ٣] ثمّ قال: «أتدرون ما الكوثر؟» فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال:«فإنّه نهر وعدنيه ربّي- عز وجل- عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمّتي يوم القيامة، آنيته عدد النّجوم، فيختلج العبد منهم فأقول: ربّ إنّه من أمّتي!! فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك» .