للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، وقال سعيد بن جبير: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما) .

فالحاصل: أن أحد الصحابة بلغ ابن عباس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه، لأن هذه الحادثة كانت بمكة قطعا، وابن عباس ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ولما حكى ابن عباس ذلك للتابعين، ومنهم سعيد بن جبير، حرك شفتيه بيانا لما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولما حكى سعيد هذا الحديث لمن بعده، حرك لهم شفتيه كما رأى ابن عباس يحركهما، وهذا من أبلغ الأدلة على حفظ الصحابة رضي الله عنهم للسنة النبوية وأدائها على الوجه الأكمل والأتم، وكذا التابعين وتابعيهم.

[ثانيا: همته صلى الله عليه وسلم العالية في العبادة:]

عن حذيفة رضي الله عنه قال: صلّيت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة. فافتتح (البقرة) فقلت: يركع عند المئة، ثمّ مضى. فقلت: يصلّي بها في ركعة، فمضى. فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح (النّساء) فقرأها، ثمّ افتتح (آل عمران) فقرأها يقرأ مترسّلا، إذا مرّ باية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ، ثمّ ركع، فجعل يقول: «سبحان ربّي العظيم» ، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده» ، ثمّ قام طويلا قريبا ممّا ركع، ثمّ سجد. فقال: «سبحان ربّي الأعلى» ، فكان سجوده قريبا من قيامه «١» .

الشّاهد في الحديث:

أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعة واحدة من صلاة الليل بسورة البقرة وسورة النساء وسورة آل عمران، قرأ بهم مترسلا.

[الفائدة الأولى:]

في الشمائل النبوية:

١- همته صلى الله عليه وسلم العالية في العبادة حيث صلى ركعة واحدة من صلاة الليل، بثلاث سور طوال [البقرة/ آل عمران/ النساء] ، ولا يخفى على أحد طول الوقت الذي تستغرقه تلك السور الطويلة، خاصة إذا أضيف إلى تلك القراءة الطويلة جدّا الأمور التالية:

أ- كون القراءة بتمهل وترتيل، وليست حدرا.

ب- الوقوف عند كل آية وعمل ما يناسبها، فإذا كانت الآية تحث على التسبيح أو تأمر به سبح، وإذا كان فيها ذكر للجنة أو نعم الله تعرض لتلك النعم بالسؤال، أما إذا كان فيها ذكر لعذاب الله تعوذ وسأل الله العافية والسلامة.

ج- تطويل الركوع والرفع منه والسجود جدّا، حتى تتناسب تلك الأركان مع طول القيام.


(١) مسلم، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم (٧٧٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>