وهذا هو الصحيح- والله أعلم-؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم:«ولا يتمثل الشيطان بي» . أي: لا يأتي بصورتي التي يعرفها الناس، وهذا لا يمنع أن يأتي الشيطان ويقذف في قلب الرائي أنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بصورة تخالف الصورة التي يعرف بها النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث لا يمنع حدوث مثل هذا، بل أعتقد أنه يجب القول به، لأننا كثيرا ما نسمع من أصحاب البدع والأهواء أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهم بأشياء تخالف ما ورد بالكتاب والسنة، ولا تفسير لذلك- إن صدقوا في دعواهم- أن الذي رأوه هو الشيطان، وأنه لم يأت بالهيئة المعروفة للنبي صلى الله عليه وسلم.
ويؤيد ذلك ما ذهب إليه الإمام ابن حجر- رحمه الله- في شرح بعض الألفاظ التي ورد بها الحديث، فقال- رحمه الله-: قوله: (إن الشيطان لا يتراءى) . فمعناه: لا يستطيع أن يصير مرئيّا بصورتي، كقوله صلى الله عليه وسلم:«فإن الشيطان لا يتكونني» . أما قوله:«لا يتمثل بي» ، أي لا يتشبه بي، أما قوله:«في صورتي» ، فمعناه: لا يصير كائنا في مثل صورتي. وقال- رحمه الله-: فالجميع راجع إلى معنى واحد.
والخلاصة: أن على كل مسلم قبل أن يدعي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض ما رأى على أحد أهل العلم- الذين يعلم عنهم الصلاح والتقوى- ليخبروه إن كان ما رأى حقّا أو من الشيطان، حتى لا يقع في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
[الفائدة الثالثة:]
ما هي فوائد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام؟
قال ابن حجر- رحمه الله-: «ومن فوائد رؤيته صلى الله عليه وسلم تسكين شوق الرائي لكونه صادقا في محبته ليعمل على مشاهدته، وإلى ذلك الإشارة بقوله: فسيراني في اليقظة، أي من رآني رؤية، معظما لحرمتي ومشتاقا إلى مشاهدتي، وصل إلى رؤية محبوبه وظفر بكل مطلوبه، ويجوز أن يكون مقصود تلك الرؤيا معنى صورته وهو دينه وشريعته فيعبر بحسب ما يراه الرائي من زيادة ونقصان أو إساءة وإحسان» .
[الفائدة الرابعة:]
في الحديث دليل على أن الشيطان له قدرة على أن يتمثل في أي صورة أراد، ولكن الله- سبحانه وتعالى- لم يمكنه من التصور في صورة النبي صلى الله عليه وسلم.
والحكمة من ذلك ذكرها الإمام النووي- رحمه الله- فقد قال ما نصه: «قال القاضي: