يفهم مقصود الآية وما فيها إلا بحسن تدبر وتأمل، وهذا هو مكمن الجمال والكمال في آيات القرآن الكريم.
[الجهة الثانية:]
بيان ما تنطوي عليه قلوب المنافقين، مما لا يمكن أن يطلع عليه إلا صاحب هذا القلب أو الذي خلقه وهو عالم الغيب والشهادة- جل وعلا-، ومن قرأ سورة «المنافقون» حتى آخرها رأى العجب في ذلك.
ويتفرع عليه بيان عناد أهل الزيغ والضلال، حيث تتلى عليهم الآيات البينات التي تخبرهم بما في صدورهم وقلوبهم مما لا يعلمه إلا الله، ومع ذلك يصرون على الحنث العظيم وهو الكفر بالله- سبحانه وتعالى-.
[الفائدة الرابعة:]
تعظيم رسالة النبي صلى الله عليه وسلّم، حيث أضافها الله عز وجل إلى نفسه الكريمة المقدسة، قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، كما أكدها بمؤكدين، سبق الإشارة إلى ما يماثلهما.
ويتفرع عليه أمر عظيم، وهو التهديد الشديد لمن كذب برسالة النبي صلى الله عليه وسلّم؛ لأن لسان حاله يقول: إن علم الله- سبحانه وتعالى- لا يوافق الواقع، حيث إن الواقع- وحسب اعتقاده الفاسد- أن محمدا صلى الله عليه وسلّم ليس برسول من عند الله، وهذا طعن عظيم في صفة من أوسع صفات الله- سبحانه وتعالى- وهي صفة العلم.
[الفائدة الخامسة:]
أفادتنا الآية في معرفة من هم المنافقون، فهم الذين يقولون بألسنتهم ما يخالف ما في قلوبهم، وإذا كان في أمر يتعلق بالعقيدة فهو نفاق اعتقادي يجعل صاحبه في الدرك الأسفل من النار، وإذا كان في أمر من السلوكيات فهو نفاق عملي، يجعل في صاحبه صفة من صفات المنافقين، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلّم من ذلك أشد التحذير في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال:«أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»«١» .
وأود أن أنبه هنا إلى سلوك قد يقع فيه البعض عمدا أو جهلا أو خطأ، وهو أن يظهر من كلامه أو على محيّاه تقوى وخوف من الله- سبحانه وتعالى- أكثر مما في قلبه، وأخشى أن يكون ذلك السلوك من النفاق الذي يؤدي بصاحبه إلى التهلكة.