للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل حياته بكلمة سوء واحدة، بل من المؤكد أنه ما كان يذكرها إلا بأفضل ما فيها، ولولا ذلك ما كانت كل تلك الغيرة من عائشة رضي الله عنها ودليله من الحديث، قول النبي صلى الله عليه وسلم «إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد» .

[ويتفرع عليه:]

أن من أبلغ مظاهر حب الإنسان لغيره، هو التحدث عنه وعن أفضاله وماثره، فعلى كل مسلم أن ينظر هل يحب ذكر الله ورسوله، وهل يفرح إذا ذكر الله ورسوله في مجلسه، وهل يغضب إذا ذكر هما أحد بسوء، فعلى قدر فرحه في الأولى، وغضبه في الثانية، يكون الحب.

ب- قيامه صلى الله عليه وسلم بذبح الشاة وتقطيع أعضائها ثم توزيعها في صدائق خديجة رضي الله عنها بعد، ولا يخفى ما في ذلك من حسن الوفاء، لما فيه من التكلف في تقطيع أعضاء الشاة، وإرسال رسول إلى بيوت الصاحبات مع ندرة أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم شاة يطعمها أهل بيته.

[ويتفرع عليه:]

جوده صلى الله عليه وسلم وشاهده في الحديث أنه ما كان يبقي من الشاة شيئا، لقول عائشة رضي الله عنها: (ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها) ولولا إرسال جميع الشاة، لقالت: (ثم يبعث منها) .

ج- فرحه وسروره صلى الله عليه وسلم عندما تزوره هالة بنت خويلد، أخت خديجة رضي الله عنها ورد في رواية مسلم: (فارتاع لذلك) ، أي هشّ لمجيئها، مع ظهور علامات الفرح على وجهه، فمن شدة حبه صلى الله عليه وسلم لخديجة، أنه كان يحب ما يذكّره بها، وكان يقول من شدة فرحه: «اللهم هالة» أي: يا رب اجعل المستأذن في الدخول تكون «هالة» .

قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: (وفي هذا كله دليل لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب) «١» .

هذا الوفاء من النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها كان كله بعد وفاتها، ولكن أهم مظاهر الوفاء، كان في حال حياتها، وهو أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج معها في حياتها امرأة أخرى، وهي منقبة عظيمة لها رضي الله عنها، وقد نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن القرطبي قوله: (ومما كافأ النبي صلى الله عليه وسلم به خديجة في الدنيا أنه لم يتزوج في حياتها غيرها، فروى مسلم عن عائشة قالت: (لم يتزوج


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (١٥/ ٢٠٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>