للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه حتّى أسلم» . [رواه مسلم] «١» .

[الشاهد في الحديث:]

قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم» .

[في الحديث فوائد منها:]

[الفائدة الأولى:]

في شمائل النبي صلّى الله عليه وسلّم.

١- خرق الله- سبحانه وتعالى- العادة له بإسلام قرينه الشيطان، وما حدث ذلك إلا بإعانة الله له صلّى الله عليه وسلّم.

٢- كمال عصمته صلّى الله عليه وسلّم فبالإضافة إلى غسل قلبه بماء زمزم، وإخراج حظ الشيطان من قلبه، جاء إسلام قرينه، حتى تكتمل منظومة العصمة، وكان يمكن أن يموت ذلك القرين، أو لا يكون هناك قرين أصلا، ولكن المعجزة أنه يسلم ولا يموت، حتى يأمره بالخير، فهي معجزة على معجزة، وعصمة فوق عصمة، جاء عند مسلم: «إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» ، فالقلب قد طهر وغسل ونزع منه حظ الشيطان، وملئ بدلا من ذلك إيمانا وحكمة، والقرين قد أسلم، ويأمره بالخير، واللسان قد حفظ فلا ينطق عن الهوى، والبصر قد شملته الرعاية الإلهية، فلا يزيغ ولا يطغى، والذكر قد رفع، والذنب قد محي، مع عدم وجوده أصلا، فله الحمد، - سبحانه وتعالى- أن طهر نبينا من كل ما يسوء، ومنحه كل ما يعلو به ويرفع قدره.

٣- لطف النبي صلّى الله عليه وسلّم مع زوجاته وعذره لهم على ما يجدنه في نفوسهنّ من الغيرة الشديدة عليه، وعدم نهرهن على ذلك، لعلمه بضعف المرأة، ورحمته بهذا الضعف، لأنه لما رأى أن عائشة تبحث عنه، وهي متحيرة، تظن أنه قد ذهب لغيرها في ليلتها، لم ينهرها عن هذا الظن، بل لم يزد عن كلمة واحدة، (أغرت) وهذا أيضا من كمال عقله وحكمته، وتظهر أيضا فراسته، حيث علم من حال عائشة- دون أن تتكلم- ما أصابها من الغيرة.

وعلينا جميعا أن نسلك هذا المسلك مع نسائنا، فنرحم ضعفهن، ولا نعين الشيطان عليهن، ولا نضع أنفسنا في موضع الشبهات، حتى لا نشعل في نفوسهن الغيرة، التي قد تدفعهن إلى ما لا تحمد عاقبته من الأمور، وهذا امتثال لقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: من الآية ٢١] .

٤- وضاءة النبي صلّى الله عليه وسلّم عند زوجاته وعلو منزلته عندهن، والاعتراف له بذلك، فهذه


(١) مسلم، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، برقم (٢٨١٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>