للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكفيه في غيرها، وهذا أمر محسوس عند من سكنها) «١» . ومعلوم أن البركة هي الزيادة والنماء وكثرة الخير في الشيء وهذا كله حصل- إن شاء الله- بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم.

[تنبيه:]

إن قال قائل: ذهبت إلى المدينة فلم ألحظ هذه البركة في الطعام والشراب فما السبب؟ قلت: اعلم أن البركة في الطعام والشراب بل وفي الأجواء قد حدثت قطعا استجابة من الله- تبارك وتعالى- لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس من لازم ذلك أن تحصل البركة لكل أحد وفي كل وقت، فقد يمنع تلك البركة ارتكاب المسلم لبعض المعاصي أو عدم يقينه بالله- سبحانه وتعالى- أو إعراضه عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكون المانع لحدوث البركة عدم حل الطعام: إما لحرمته في نفسه أو حرمة المال الذي اشتري به. ولذلك فإن على كل من لم يلمس تلك البركة أن يتهم نفسه ويراجع حاله وماله.

[الفائدة الثانية:]

ليس في الحديث ما يدل على عموم أفضلية المدينة على بيت الله الحرام؛ لأنه لا يلزم من حصول الأفضلية للمفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية له على الإطلاق، كما أفاد الإمام ابن حجر رحمه الله ولكن ما نقطع به أن بركة الصاع والمد في المدينة ضعف بركة الصاع والمد في مكة، وهذا شرف عظيم للمدينة، تمتاز به على جميع بقاع الأرض، وفي هذا أبلغ الحث على سكناها.

[الفائدة الثالثة:]

ثبوت بركة مد وصاع مكة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة» ، ولكن تأتي مكة في المرتبة الثانية من حيث البركة، وأقول: هذا التضعيف في بركة المدينة عن مكة، هو في أمر مخصوص من أمور الدنيا، وهو الصاع والمد، فلا يلزم أن يكون التضعيف يشمل أمور الآخرة أيضا، فعلى سبيل المثال فإن الصلاة في المسجد الحرام يتضاعف أجرها عن الصلاة في المسجد النبوي الشريف، على صاحبه الصلاة والسلام.

[الفائدة الرابعة:]

حث المسلم على أن يدعو ببركة صاعه ومده (أي طعامه وشرابه) وإن لم يكن من ساكني البقعتين الشريفتين؛ لثبوت إمكانية حلول البركة فيهما، كما حدث في صاع ومد مكة والمدينة، وبقدر إخلاص العبد في الدعاء واستقامته على الصراط، بقدر حدوث تلك البركة، وكما تحدث البركة في مأكل الإنسان ومشربه فقد تنزع تلك البركة جزئيّا أو كليّا؛ فليحذر المسلم من ذلك، وما يحدث الآن في أغلب الأقطار الإسلامية من غلاء الطعام والشراب لهو أكبر شاهد على نزع البركة


(١) نقله ابن حجر في الفتح (٤/ ٩٨) من قول الإمام النووي رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>