للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسجد، بل ويقف أمامها يسترها بردائه حتى تقضي هي وطرها، ورد في الحديث: (فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال: «تشتهين تنظرين» ، وورد أيضا: حتى إذا مللت قال:

«حسبك؟» أي: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقف لها طويلا حتى يصل بها الحال إلى الملل، وهو شعور يأتي بعد الإشباع، وفي رواية عند مسلم: (ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف) «١» ، ولا يخفى من هذا الواقعة مدى دلال عائشة على النبي صلى الله عليه وسلم.

ج- ومن عظيم التلطف أن يقيم النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وراءه في حال كون خدها على خده، صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله عنها: (فأقامني وراءه خدي على خده) ، ويظهر في كل ما ذكر، ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع الجم.

٣- رفيع مقام النبي صلى الله عليه وسلم، ودليله ما قاله ابن حجر في [الفتح] : (وأما التفافه صلى الله عليه وسلم بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك) «٢» .

[الفائدة الثانية:]

ما كان عليه الصحابة من تعظيم جانب النبي صلى الله عليه وسلم وحبه والأدب معه، يتبين ذلك من:

١- زجر أبي بكر الصديق رضي الله عنه لابنته الحبيبة عائشة رضي الله عنها لإذنها بالغناء في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على كبير حبه للنبي صلى الله عليه وسلم وتقديمه على كل أحد، ولو كانت ابنة حديثة السن، قالت عائشة: (فدخل أبو بكر فانتهرني) .

٢- دل كلام أبي بكر رضي الله عنه أن من دواعي غضبه على ابنته أن هذا الغناء والزمر يحدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه رضي الله عنه، يحكم بحرمة الغناء واللهو، ولكن اشتدت الحرمة عنده؛ لأنها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم لذلك أقبل النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه وأوضح له سبب إقراره لهذا الغناء، وهو أنه يوم عيد، ورد عند البخاري: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا» «٣» .

٣- أما الأدب، فانظر إلى قول عائشة رضي الله عنها: (فلما غفل غمزتهما فخرجتا) لماذا لم تأمرهما بالخروج بالقول؟ أعتقد أن الغمز كان لحكمة، فقد يكون بسبب حرصها على عدم إزعاج النبي صلى الله عليه وسلم لقولها: (فلما غفل) ، وقد يرجع الغمز إلى أن عائشة أرادت أن تتوسط بين زوجها النبي صلى الله عليه وسلم وأبيها، فلا تشعر النبي صلى الله عليه وسلم أنها هي التي أمرت الجاريتين بالذهاب،


(١) مسلم، كتاب: صلاة العيدين، باب: الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه ... ، برقم (٨٩٢) .
(٢) فتح الباري (٢/ ٤٤٣) .
(٣) البخاري، كتاب: الجمعة، باب: سنة العيدين لأهل الإسلام، برقم (٩٥٢) . ومسلم، كتاب: صلاة العيدين، باب: الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه ... ، برقم (٨٩٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>