للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألم تر أن الله ختم الآية بقوله: وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ فقد زكى القرآن الذي أنزل إليه من الوحي غاية التزكية، وهي تزكية له صلّى الله عليه وسلّم.

٤- كذب الادعاء بأن الله قد قلاه صلّى الله عليه وسلّم:

عن جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت: يا محمّد إنيّ لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثة، فأنزل الله عزّ وجلّ: وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) تقرأ بالتّشديد والتّخفيف؛ بمعنى واحد: ما تركك ربّك وقال ابن عبّاس: ما تركك وما أبغضك «١» .

وهذا أيضا من باب كذبهم وافترائهم على النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث ادعوا كذبا وحقدا أن الذي يأتي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو شيطان، وليس وحيا من السماء.

ونتكلم أولا عن فوائد الحديث، وإن كانت الآيات أشرف، إلا أن الحديث هو سبب نزول الآيات الكريمات.

[أولا: بعض فوائد الحديث:]

[الفائدة الأولى:]

عناية الله عزّ وجلّ بنبيه صلّى الله عليه وسلّم حيث أنزل قرآنا يسلّي فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم ويرد على مقالة الحاقدين، وكان يكفي للرد على مقولة أم جميل العوراء أن يتواصل الوحي، ولكنه الحب.

[الفائدة الثانية:]

ورد في صحيح البخاري روايتان، إحداهما بلفظ: «قالت امرأة: يا رسول الله، ما أرى صاحبك إلا أبطأك فنزلت: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) ، والثانية بلفظ:

«فأتته امرأة فقالت: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك» ، وقد رجح ابن حجر- رحمه الله- أن تكون صاحبة المقالة الأولى هي: خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنها قالت: «يا رسول الله» وعبرت عن جبريل بقولها: «صاحبك» .

وصاحبة المقالة الثانية هي: أم جميل العوراء بنت حرب أخت أبي سفيان بن حرب وامرأة أبي لهب «٢» ، ويكون معنى كلام ابن حجر أن الآية نزلت ردّا على المقالتين، ولكن شتان بين المراد من المقالتين، فالأولى قيلت توجعا وأسفا والثانية قيلت تهكما وشماتة.


(١) رواه البخاري، كتاب: تفسير القرآن، باب: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى، برقم (٤٩٥٠) ، ومسلم، كتاب: الجهاد، باب: ما لقى النبي صلّى الله عليه وسلّم من أذى المشركين، برقم (١٧٩٧) .
(٢) انظر فتح البارى (٣/ ٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>