للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثاني الاثنين، أي ليس معهما أحد من البشر، قال تعالى: إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين.

٥- تعظيم شأن هجرته، حيث ذكر الله خروجه مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في سياق المدح، وهذا أكبر دليل على أنها كانت في سبيل الله، وإثبات المعية والصحبة، يتوجب تضعيف الحسنات ورفع الدرجات، لأن الهجرة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ليست كالهجرة مع غيره، فهي مناقب بعضها فوق بعض، لا ندري أيها أعظم.

٦- يتفرع على ما سبق، وجوب حب صدّيق هذه الأمة. ومن علامات هذا الحب، كثرة الثناء عليه، وذكر مناقبه، والذب عن عرضه، والامتنان له بما قدمه لله ورسوله، روى البخاري عن ابن عبّاس قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه الّذي مات فيه عاصب رأسه بخرقة فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّه ليس من النّاس أحد أمنّ عليّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متّخذا من النّاس خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلّة الإسلام أفضل، سدّوا عنّي كلّ خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر» «١» . أقول: حسبنا هذا الحديث لمعرفة فضل الصديق.

[الفائدة الثالثة:]

يستدل من الآية أن الهجرة كانت نصرا للرسول صلّى الله عليه وسلّم إذ ذكرت الخروج بعد إثبات نصرة الله لرسوله، قال تعالى: فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا.

[الفائدة الرابعة:]

وهي لطيفة من لطائف القرآن العظيم، حيث ورد في الآية:

وَكَلِمَةُ اللَّهِ مرفوعة، على أنها مبتدأ، ولم تعطف على وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا، كما يتبادر إلى ذهن القارئ، وهذا يفيد أن الله هو الذي جعل كلمة الذين كفروا في السفال، أما كلمة الله، فهي دائما في علو قبل وبعد الهجرة.

ونستفيد أيضا، ملاءمة ما يذكر في ختام الآية، من أسماء وصفات لله تعالى، مع معنى الآيات، وما يذكر فيها من أحكام، فالآية هنا ختمت بصفتي العزة والحكمة، فبعزة الله- سبحانه وتعالى-، نصر عبده وصاحبه على جحافل الكفار، وبحكمته قدّر الهجرة لتكون نصرا مبينا لدينه ونبيه صلّى الله عليه وسلّم. ونصيحة لكل مسلم أن يتدبر القرآن وهو يقرأه، ليتلمس ما فيه من البدائع والفوائد، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على مطلوبه.


(١) البخاري، كتاب: الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد، برقم (٤٦٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>