للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حياته فقط ولكن بعد موته أيضا.

وإذا كان هذا سلوك أبي ذر رضي الله عنه مع خادمه، في الملبس، الذي يفضّل الكثير منا أن يتميز به عن خادمه، فكيف كان مسلكه رضي الله عنه، في مأكله ومشربه ومعاملته مع الخادم، وإذا كان هذا هو مسلك الصحابة في اتباع السنة مع الخادم، فكيف كان اتباعهم السنة فيما هو أعظم من ذلك، كأمور العقيدة والعبادات.

وأظن أن أخذ أبي ذر بالأتم والأكمل في معاملة الخادم، كان على سبيل التوبة إلى الله- عز وجل- لما بدر منه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

الفائدة الثّالثة:

لفت النبي صلى الله عليه وسلم انتباهنا وعلمنا أن الله- عز وجل- هو مقدّر كل شيء، فهو الذي قدّر الغنى والفقر، وهو الذي جعل الناس يتفاوتون في معايشهم بين مالك ومملوك، وبين خادم ومخدوم، قال صلى الله عليه وسلم: «جعلهم الله تحت أيديكم» ، وإذا كان الأمر من الله بحكمته وتقديره، وجب علينا الرضى والتسليم، قال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا [الزخرف:

٣٢] .

الفائدة الرّابعة:

المعاصي والمخالفات الشرعية من خصال الجاهلية، وبقدر ما عند المسلم من المعاصي والمخالفات، بقدر ما يكون فيه من أمر الجاهلية، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:

«إنك امرؤ فيك جاهلية» ، ولكن لا ينبغي أن يوصف المسلم بأنه جاهلي، طالما معه أصل الإيمان ولم يأت بما يناقضه ويخرجه من دائرة الإسلام، لأن الله- عز وجل- أخرجنا بالإسلام من مطلق الجاهلية.

ج- شفقته صلى الله عليه وسلم بعموم المسلمين:

[المثال الأول:]

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تضمّن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهادا في سبيلي، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي، فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة، أو أرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه نائلا ما نال من أجر، أو غنيمة، والّذي نفس محمّد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلّا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحه مسك، والّذي نفس محمّد بيده لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة [فيتبعوني] ، ويشقّ عليهم أنّ يتخلّفوا عنّي، والّذي نفس محمّد بيده، لوددت أنّي أغزو في سبيل الله فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل،

<<  <  ج: ص:  >  >>