والسنة، ومثاله قوله- تعالى-: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة: ٢، ٣] ، فكلما قوي إيمان العبد بالغيب، وكان على الصلاة محافظا وللزكاة فاعلا، كان له نصيب أكثر من هدي القرآن، ورأى في القرآن من الآيات والهدايات ما لم ير غيره، وهذا مشاهد، وكلما كثرت الشبهات في قلب الإنسان، وانقاد لها ولم يجاهدها، بل دعا إليها، كان انتفاعه بهدايات القرآن أقل، حتى يصل إلى عدم الانتفاع بالكلية، بل يكون سماعه القرآن وبالا عليه، كما في قوله: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت: ٤٤] ، فلا يرتاب أحد أن أناسا يسمعون القرآن فلا يؤمنون، بل يجادلون ويخاصمون ويجدون في كل آية شبهة، والله بعدله يجازيهم على ظلمهم لأنفسهم، وتكبرهم على الحق وتكذيبهم لأنبيائه، فيجعل على قلوبهم أغطية، وفي آذانهم صمما، فلا تتدبر القلوب موعظة، ولا تسمع الآذان نصحا، فسبحان الذي بيده قلوب العباد يقلبها كيف يشاء، يسمع أقوام ذكر الله عزّ وجلّ، فتوجل قلوبهم، وتخشع أبدانهم وتدمع عيونهم، قال- تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: ٢] ، ويسمع آخرون ذكر الله عزّ وجلّ، الذي تخشع له الجبال الصم، فتشمئز قلوبهم، قال- تعالى.: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر: ٤٥] .
[الفائدة السادسة:]
إن ادعى أحد أمامك، مهما كانت منزلته بين الناس، أنه يحب الله عزّ وجلّ، فلا تغتر بهذه الدعوى، إلا إذا رأيت منه حسن الاتباع، ولو مشى على الماء، وطار في السماء، كما قال الإمام الشافعي- رحمه الله- تعالى- ويبقى بعد ذلك الإخلاص في العمل، وهذا لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ، فو الله رأيت بعيني، رجلا يدعي أصحابه أن له من الكرامات ما لا يعد ولا يحصى، ويحفونه بكل أنواع الإجلال والإعظام، حتى إنهم أنكروا عليّ كيف أسلم عليه ولا أقبل يديه، وأنا لم أره من قبل، فلما سألته لماذا لا تحفّ شاربك، وقد تعدى شفتيك، ولماذا لا تقص أظافرك مع اتساخها الظاهر، ذكر لي أنها مقامات، فلنا نحن العوام مثل هذه الأمور الشكلية كما يعتقد، أما أصحاب الكرامات، فقد انشغلوا بما هو أعظم من ذلك، فبينت له ولهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم صاحب المقام الشريف، هو الذي أمر بذلك، وأبلغنا أنها من سنن الفطرة، ويأثم المسلم بتركها، وذكرت له في معرض الجدال آية الباب، وأنها حجة عليه، فكاد أصحابه في المسجد أن يوقعوا بي، لولا