للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانتباههم، وبيان أن طاعة الأمر الذي سيتلى هو من مقتضيات الإيمان ولوازمه، وأن عدم الامتثال لهذا الأمر يقدح في كمال إيمان العبد.

٢- اقتران النهي عن التقديم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالنهي عن التقديم بين يدي الله عزّ وجلّ. ولا يخفى ما في ذلك من تعظيم لأمر النبي صلى الله عليه وسلّم، وفيه أبلغ الحث على طاعته والتأدب معه، كما فيه إشعار أن الذي يمتثل أمر الله عزّ وجلّ آناء الليل والنهار ولا يمتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلّم، فقد عصى الله عزّ وجلّ وأنه في الحقيقة لم يمتثل أمره- سبحانه وتعالى-؛ لأن الآية لم تفرق بين طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلّم، فهما في وجوب التعظيم والامتثال سواء، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم ما هو إلا مبلغ عن ربه- سبحانه وتعالى- يصدّق ذلك قوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠) [النساء: ٨٠] .

ويتفرع عليه وجوب عدم التفريق بين أوامر القرآن، وأوامر السنة الصحيحة، لا من حيث الحجية ولا من حيث الوجوب، ولا من حيث جواز نسخ أحدهما للآخر؛ لأن الآية إنما ذكرت تحريم التقديم بين يدي الله (القرآن) ويدي النبي صلى الله عليه وسلّم (السنة الصحيحة) في نهي واحد إلماحا بالمساواة بين القرآن والسنة من حيث الأمور التي ذكرتها، وصدق من ذكر أن المصدر الأول للتشريع هو القرآن والسنة، ولم يجعل السنة مصدرا ثانيا.

٣- أمرت الآية المؤمنين بتقوى الله عزّ وجلّ بعد الأمر بعدم التقديم بين يدي الله ورسوله، إشعارا بأن عدم التقديم هو من تقوى الله عزّ وجلّ وأن العبد كلما زادت تقواه لله كلما زاد حرصه على امتثال أوامر الله ورسوله وتأدبه مع الرسول صلى الله عليه وسلّم.

٤- اختتمت الآية الكريمة بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، وفي هذا أبلغ الحث على عدم مبادأة الله ورسوله بقول أو فعل؛ لأن من لوازم علم الله وسمعه أنه سيجازي الذي امتثل أوامره خيرا وسيعاقب الذي عصاه بما يستحق من العذاب والنكال.

[الفائدة الثالثة:]

من مظاهر عدم تقديم الصحابة رضي الله عنهم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلّم ما رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدريّ قال: (كنّا في مسير لنا فنزلنا فجاءت جارية فقالت: إنّ سيّد الحيّ سليم، وإنّ نفرنا غيب فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنّا نأبنه «١» برقية فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا، فلمّا رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي؟


(١) أي: ما كنا نظنه يرقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>