[ثالثا: تأييده صلى الله عليه وسلم بالمعجزات الباهرات]
١- معجزة القرآن العظيم:
إذا كانت معجزة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى ومعراجه إلى السماوات السبع وإلى ما بعدها حتى سمع صريف الأقلام هي أعظم معجزاته الحسية، وإذا كانت الشفاعة العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة هي المقام المحمود الذي يغبطه عليه الملائكة الكرام والأنبياء العظام، ويحمده عليه أهل السماوات السبع والأرضين، فإن أعظم ما امتن الله به على عبد من عباده على مر العصور وتتابع الدهور، هو إنزال القرآن العظيم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فو الله إنه لتشريف يتضاءل عنه وعنده كل تشريف، ويتقاصر عنه وعنده كل تكريم، واعتقد اعتقادا جازما- والله أعلى وأعلم- أنها منزلة لا تساميها ولا تزاحمها، بل لا تدانيها أية منزلة بل أقول بملء الفم: إنها نعمة لا يقدر قدرها إلا الذي أنعم بها- جل في علاه- على خليله وصفيه من خلقه، وإذا كنا لا نتصور تلك المنة العظيمة وتلك المعجزة الخالدة فلا أقل لنا وبنا أن نلتمس بعض ما فيها من المعجزات والأسرار والدلائل؛ لعلنا نقترب من تصور تلك النعمة.
وقد قال الشيخ السعدي- رحمه الله تعالى- كلاما جميلا نفيسا في تفسير صدر سورة «النمل» حيث قال: «هي أعلى الآيات، وأقوى البيانات، وأوضح الدلالات، وأبينها على أجلّ المطالب وأفضل المقاصد، وخير الأعمال وأزكى الأخلاق آيات تدل على الأخبار الصادقة، والأوامر الحسنة، والنهي عن كل عمل وخيم، وخلق ذميم، آيات بلغت في وضوحها وبيانها للبصائر النيرة مبلغ الشمس للأبصار، آيات دلت على الإيمان، ودعت للوصول إلى الإيقان، وأخبرت عن الغيوب الماضية والمستقبلة، على طبق ما كان ويكون.
آيات دعت إلى معرفة الرب العظيم، بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وأفعاله الكاملة، آيات عرفتنا برسله وأوليائه، ووصفتهم حتى كأننا ننظر إليهم بأبصارنا، ولكن مع هذا لم ينتفع بها كثير من العالمين، ولم يهتد بها جميع المعاندين؛ صونا لها عن من لا خير فيه ولا صلاح، ولا ذكاء في قلبه، وإنما اهتدى بها، من خصهم الله بالإيمان، واستنارت بذلك قلوبهم، وصفت سرائرهم» انتهى.
وقد جمعت ما يوضح عظيم شأن هذا الكتاب الكريم من كلام رب العالمين دون تعليق، حيث إن التعليق والشرح يحتاج إلى مجلد قد يتصدى- إن شاء الله- له مستقبلا أهل الخبرة والاختصاص.