بأمر الله لا يضرّهم من خذلهم أو خالفهم حتّى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على النّاس» . رواه مسلم «١» .
[الشاهد في الحديث:]
أن النبي قد حكم أنه لن يخلو قرن من القرون، ولا أمة من الأمم من طائفة مقيمة على الحق، أي متمسكون بكتاب الله وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولذلك يستحيل أن تجتمع هذه الأمة على الضلالة لأن اجتماعهم على ضلالة معناه أن تكون هذه الفئة الصالحة القائمة بأمر الله غير موجودة، أو غرّها اجتماع السواد الأعظم من الناس على منكر، فمالت إليهم، وهذا أيضا ينافي الحديث، ولذلك فاجتماع الأمة على أمر من الأمور، أو حكم من الأحكام، دليل قطعي على أن هذا الأمر هدى وليس بضلالة، حيث إن الفئة الصالحة، لا يمكن أن تقر أو ترضى بالباطل، فالأمر المجمع عليه من الأمة حق، وهذه الأمة لا تجتمع على باطل، وهي حكمة عظيمة من الله- عز وجل-، لأنها لو اجتمعت على باطل، فقد يستقر هذا الباطل إلى يوم القيامة، ويندثر الحق الذي هو ضد هذا الباطل، وحيث إنه لا نبي سيأتي بعد، يكون في استقرار الباطل واندثار الحق مفسدة عظيمة، وتكمن المفسدة، في أن الناس يبحثون عن الحق فلا يجدونه، ولذلك تكون لهم حجة على الله- عز وجل-، وهذا ينافي حكمة الله من إرسال الرسل وإنزال الكتب، قال تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: ١٦٥] .
وعدم اجتماع الأمة على ضلالة من أكبر نعم الله عليها، حيث ضمنت به الأمة عدة أمور من أهمها:
١- إضافة أصل أصيل تستند إليه الأمة بعد كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ألا وهو (الإجماع) ، وهو أصل تحتاج إليه أمة سيبقى شرعها صالحا إلى يوم القيامة، كل يوم يظهر من الأمور والمصالح ما يحتاج إلى الإفتاء والاجتهاد، فما أجمعت عليه الأمة أنه معروف فهو معروف، وما أجمعت عليه أنه منكر فهو منكر، ولا شك أن هذا من باب التوسعة عليها؛ لأنه كلما زادت مصادر التشريع كان ذلك من أوجه مظاهر رحمة الله بالعباد.
٢- ألّا ترتد الأمة على أعقابها بعد نبيها صلى الله عليه وسلم؛ لأن ارتدادها يعني أنها قد اجتمعت على ضلالة وهذا محال.
٣- ضمنت الأمة بهذا الأصل ألا يندثر شيء من أمور دينها ولو كان من المكملات
(١) مسلم، كتاب: الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة ... » ، برقم (١٠٣٧) .