والكلمات وما يرافقهما من آلة، الأصل فيه التحريم، فالاستثناء هو الطارئ وليس الأصل، ودليله:
أ- أن أبا بكر حكم بالأصل لما رأى الجاريتين تغنيان، قالت عائشة رضي الله عنها:(فدخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!) ولو كان غناء الجاريات هو الأصل ومعروفا عند الصحابة، ما نهر أبو بكر رضي الله عنه ابنته.
ب- الدليل على صحة ما قاله أبو بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه حكمه أن هذا الدف من مزامير الشيطان، ولكن صوب صلى الله عليه وسلم اعتقاده بأن الغناء لا يجوز مطلقا بقوله صلى الله عليه وسلم «يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا» .
ج- لو كان الأصل في الغناء الإباحة مطلقا، ما تنزه النبي صلى الله عليه وسلم عن سماعه بل إن من مبالغته في عدم السماع أنه تسجّى بثوبه- أي التف به- وحوّل وجهه، وكأنه غير حاضر لهذا المجلس.
وجملة القول: أن الغناء لا يكون- بنص الحديث- إلا في عيد أو ما شابهه من مناسبات كالأعراس، وبالشروط المذكورة، فهل بعد هذا البيان يستطيع أحد أن يكابر فيقول: إن الغناء حلال ليس فيه شيء، ويستدل ظلما بحديث الباب؟!
وأقول لمن ابتلي بهذا المرض العضال، وهو حب الغناء والمعازف: إذا لم تستطع الإقلاع عن هذه المعصية، فلا أقل من أن تقر بتحريمها، وتسأل الله- سبحانه وتعالى- المعافاة منها، فذلك خير لك من أن تجادل في أحكام لله، فتحل حراما أو تحرم حلالا، فتقع في محظور أعظم، وتنسحب هذه النصيحة إلى كل من وقع في معصية لا يستطع الفكاك منها، إياك أن تحل الحرام لوقوعك فيه.
الفائدة الرّابعة:
الأعياد مناسبة لإدخال الفرحة والسرور على المسلمين، ويباح فيه ما لا يباح في بقية الأيام، كلعب الأولاد في المسجد بالحراب، لقول عائشة رضي الله عنها (وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب) .
ويتفرع عليه خطأ بعض الناس الذين اعتادوا الذهاب إلى القبور أول أيام العيد، فهذا عمل مذموم، لأن الناس يعملونه وينتظمون عليه كأنه سنة بل كأنه من شعائر أول أيام العيد، التي يتقرب بها إلى الله- سبحانه وتعالى- بالإضافة إلى منافاته حكمة الله من سن الأعياد لأن زيارة القبور تجدد الأحزان والعيد قد شرع ليدخل الفرحة والسرور.