للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نهار، أن يتقبلنا الله عنده عبيدا، لا أن نمن عليه بعبوديتنا، قال تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الحجرات: ١٧] .

وللتتمة أقول: للعبد المسلم حيز من الحرية، وهو نطاق المباح شرعا.

٤- حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه، ولو استمرت تلك المعاشرة عقدا كاملا من الزمان، وكانت من علامات حسن المعاشرة:

أ- عدم توجيه أدنى كلمات الضجر وهي كلمة أف لأنس، ورد في إحدى روايات البخاري: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف) «١» .

ب- ترك معاتبته بالكلية، فلم يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم أدنى معاتبة على المفعول أو المتروك، قال أنس: (ما علمته قال لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا، أو لشيء تركته هلّا فعلت كذا وكذا) «٢» .

[وعند البخاري:]

(فما قال لي أف ولا «لم صنعت» ولا «ألا صنعت» ) «٣» .

وأسأل من كان عنده خادم، ألم يفعل أنس ما يستوجب العقاب، ولو مرة واحدة، طيلة عقد من الزمان؟ كلا والله لقد فعل، ودليله حديث الباب، وفيه أنه لعب مع أقرانه وتأخر عن قضاء حاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه الأولى. أما الثانية فإنه لو لم يقصر، ما كان هناك وجه لتوجه أنس بالثناء على النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي معنا، ولكان هو- أي أنس- الأولى بالثناء، لعدم تقصيره في عمله، اسمع أول ما بدأ به أنس حديثه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا) .

فشتان ما بيننا وبين سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتي ندعي كلّنا التمسك بها، فأحدنا لا يستطيع أن يمر عليه يوم واحد دون توجيه كلمة لوم أو عتاب لخادمه، بل يحب من قلبه أن يقول للخادم على كل شيء فعله: «لم فعلت» ؛ لرؤيته أن كل ما يقوم به الخادم خطأ، أو لشعوره أن هذا اللوم والعتاب من مستلزمات الظهور على الخادم، والأدهى والأمرّ أن يبخل كثير من المخدومين بتوجيه كلمة شكر وثناء للخادم، بحجة أن ذلك يجعله يقصر في عمله، حتى نشعره دائما بالتقصير والإهمال.

وأقول: إذا كان هذا هو مسلك النبي صلى الله عليه وسلم مع خادمه، فكيف كان سلوكه مع زوجاته-


(١) البخاري، كتاب: الأدب، باب: حسن الخلق والسخاء ... ، برقم (٦٠٣٨) .
(٢) انظر السابق.
(٣) انظر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>