كل ما فعلت، من عصر العرق الذي تصبب منه على قطعة الأديم التي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ينام عليها، ووضع ذلك العرق في قوارير لحفظه، ومن ثم سقايته للصبيان للاستشفاء، وكان يمكن أن يسكت النبي صلّى الله عليه وسلّم لما سمع من أم سليم، ويكون سكوته أيضا إقرارا منه صلّى الله عليه وسلّم على فعلها، ولكن رده بقوله صلّى الله عليه وسلّم (أصبت) أبلغ من سكوته، حيث دلّ هذا على رضاه التام بكل ما فعلت، وأن فعلها قد وافق الصواب، والصواب هو الحق، فكأنه قد زكى كل ما فعلت.
أما بركة شعره صلّى الله عليه وسلّم فيؤخذ مما ورد في رواية البخاري (فإذا نام النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة) .
٢- طيب عرقه صلّى الله عليه وسلّم حيث كانت أم سليم رضي الله عنها تأخذ هذا العرق فتخلط به طيبها، ورد عند البخاري:(فإذا نام النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جمعته في سك) . والسك هو طيب مركب، وعنده أيضا قولها للنبي صلّى الله عليه وسلّم:(عرقك أذوف به طيبي) .
أي أخلط به طيبي، وعند مسلم:(هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب) ، أي أن عرقه صلّى الله عليه وسلّم كانوا يطيبون به الطيب، وبذلك يكون عرق النبي صلّى الله عليه وسلّم وشعره للاستطباب والتطيب.
٣- ثبوت علو منزلة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومكانته الرفيعة عند ربه، حيث جعل الله- سبحانه وتعالى- شعره وعرقه يستخدمان للاستطباب والتطيب، واللذان هما في حق غيره من الناس من المستقذرات، تخيل أخي القارئ، أن ما يكون في حقنا مستقذرا، يكون في حقه صلّى الله عليه وسلّم كامل البركة والخير، بل يتوارثها الناس جيلا بعد جيل، وتأمل أخي القارئ قول أم سليم:(هو أطيب الطيب) . أي أنها ما رأت طيبا أجمل وأزكى رائحة، من عرقه على اختلاف أنواع الطيب وغلو ثمنه.
[الفائدة الثانية:]
في مناقب أم سليم وأنس بن مالك رضي الله عنهما:
١- تعظيم أم سليم لآثار النبي صلّى الله عليه وسلّم يتبين ذلك من:
أ- حرصها الدائم على الاحتفاظ بعرق النبي صلّى الله عليه وسلّم كلما نام في بيتها، ورد في إحدى روايات البخاري:(أن أم سليم كانت تبسط للنبي صلّى الله عليه وسلّم نطعا فيقيل عندها على ذلك النطع فإذا نام النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذت من عرقه وشعره) . فهذه الرواية تثبت أن الحادثة كانت تتكرر، وفي كل مرة تحرص أم سليم- رضي الله عنها- أن تأخذ عرقه صلّى الله عليه وسلّم فلا هي قالت مرة:(عندي ما يكفيني) ، ولا ملت من تكرار جمع الشعر والعرق، وهذا يدل أيضا على عظيم الحب.