سبيله بإحدى الثلاثة على الأقل، إما الجنة في حال موته في سبيل الله، وإما الأجر في حال عدم النصر في المعركة، وإما الغنيمة والأجر في حال النصر، وهذا من البركة العظيمة للجهاد ألايخرج منه المسلم صفر اليدين.
[الفائدة التاسعة:]
في الحديث عظيم حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم إذ يشق عليهم أن يخرج الرسول في الغزو، ويتخلفوا عنه، ويبدو من الحديث أن تلك المشقة كانت عظيمة، ولولا ذلك ما قعد النبي خلف سرية، وهذا من تربية القرآن للصحابة إذ قال تعالى: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التوبة: ١٢٠] .
[الفائدة العاشرة:]
في الحديث أن للخروج في سبيل الله شروطا حتى يتكفل الله بالثواب، «لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي» ، وقال:«ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة» ، فاشترط أن يكون لله وإن كان جرحا يسيرا.
ولما كانت النيات لا يعلمها إلا الله، فلا يحق لنا أن نحكم لأحد أنه مات شهيدا حيث إننا- إن فعلنا ذلك- فقد حكمنا له بأعلى الدرجات في الفردوس الأعلى، كما أننا زكينا عمله أبلغ تزكية حيث جعلناه كله لله، وهذا منهيّ عنه لقوله تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى [النجم: ٣] . وقوله صلى الله عليه وسلم:«والله أعلم بمن يكلم في سبيله» ، وهذا ما حمل البخاريّ أن يبوب في صحيحه باب:[لا يقال فلان شهيد] ، وأتى بهذا الحديث آنف الذكر.
[الفائدة الحادية عشرة:]
يستثنى من ذلك- أي حكمنا بالشهادة على أحد من المسلمين بعينه- من حكم له الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم أنه مات شهيدا أو سيموت شهيدا، كعمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره من الصحابة كثير، كما يستثنى من ذلك أيضا، أن تحكم على جماعة من المسلمين قاتلوا في سبيل الله أنهم شهداء، دون تعيين أحد بعينه، ويجب على المسلمين ألايحملهم حبّهم لإمام معين جاهد في سبيل الله، فيما يظهر لنا، ألايلتزموا بالسنة فيحكموا له بالشهادة فيقال: الإمام الشهيد، ويشهد لذلك الحديث الذي أوردناه في باب:
إعلامه بكثير من أمور الغيب، والذي ورد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على أحد المقاتلين المجاهدين- فيما يرى الناس- أنه من أهل النار، بالرغم أن الصحابة قد أثنوا عليه أبلغ