للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا ينبغي أن يفضّل عليه أحد من الأنبياء- عليهم جميعا الصلاة والسلام- وفهم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن هذا هو مراد الأنصاري لذلك قال في نهاية حكمه: «ولا أقول: إن أحدا أفضل من يونس بن متى» .

وأعود للأنصاري فأقول: إن إنكاره لمقولة اليهودي كانت بالقلب واللسان واليد، لأنها جاءت على النحو التالي:

١- غضب غضبا شديدا، حيث قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم «فأخذتني غضبة» . وهذا يشعر أن الغضب تملّكه جميعا، وهذا هو وجه إنكار القلب.

٢- قوله لليهودي: (أي خبيث، على محمد؟!) ، وهو إنكار باللسان، وأرى أن الأنصاري قد اتهم اليهودي بهذا الوصف الشنيع، لاعتقاده أن كلام اليهودي نابع من حقد في قلبه وتكذيب للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأن اليهودي استخدم قسما، ظاهره حق، ليغمط حق النبي صلّى الله عليه وسلّم ولذلك وصفه بالخبث وليس بالكذب.

٣- ضرب وجه اليهودي، وهو إنكار اليد، وأظن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما لامه على ذلك، لكون الأنصاري قد تملكه غضب شديد كان هو الدافع للضرب وكان هذا واضحا في كلام الأنصاري حيث قدم الغضب على الضرب، قال: (فأخذتني غضبة ضربت وجهه) ، وكأنه يبرر ما وقع منه.

ومن كل ما ذكر، نعلم كيف كان الصحابة يعظمون النبي صلّى الله عليه وسلّم في قلوبهم أبلغ تعظيم ويغضبون كل ذلك الغضب، ليس لأن أحدا سب أو كذب أو ازدرى النبي صلّى الله عليه وسلّم حاشا لله، ولكن لأن واحدا فضّل الكليم، المصطفى بحق على البشر في عصره، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم قد بعث.

إلى هذا الحد بلغ الإجلال والإكبار والحب، أخي القارئ: هل نغضب نحن مثل هذا الغضب؟ لا أقول إذا تكلم يهودي يكفر أصلا بالله ورسوله، ولكن إذا تكلم مسلم مثلنا على النبي صلّى الله عليه وسلّم بكلام غير لائق، أو تكلم عليه كما يتكلم الرجل على خصمه أو حتى على صاحبه، هل نغضب مثل هذا الغضب؟ إن لم نغضب فإن في إيماننا شيئا نسترجع الله فيه.

[الحديث السادس:]

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (اعتمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ذي القعدة فأبى أهل مكّة أن يدعوه يدخل مكّة حتّى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيّام، فلمّا كتبوا الكتاب، كتبوا هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله، فقالوا: لا نقرّ بها فلو نعلم أنّك رسول الله ما منعناك، لكن أنت محمّد بن عبد الله، قال: «أنا رسول الله، وأنا محمّد بن عبد

<<  <  ج: ص:  >  >>