للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- لم يجد صلى الله عليه وسلم حرجا في نفسه من قول الأعرابي: (إني سائلك فمشدد عليك في المسألة) ، بالرغم أن الطلب بهذه الصيغة يوجب الحرج والأعرابي علم ذلك لقوله: (فلا تجد عليّ في نفسك) - أي لا تغضب- بل العجيب أن يكون رد النبي صلى الله عليه وسلم على سؤال الأعرابي بأجمل رد وهو قوله: «سل عما بدا لك» ، والأعرابي فعلا قد شدد في المسألة عندما استحلفه في كل سؤال، فكان يقول في كل مرة: (أنشدك بالله) .

٣- عموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الناس كلهم جميعا لما ورد في الحديث: (أسألك بربك وربّ من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟، فقال: «اللهم نعم» ، بل إنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الثقلين الإنس والجن لقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] .

٤- عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم بأمور الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم في ضمام لما أقسم ألا يزيد ولا ينقص قال: «لئن صدق ليدخلنّ الجنّة» ، كما ورد في رواية مسلم.

[الفائدة الثانية:]

في مناقب الصحابي ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه:

١- رجاحة عقله رضي الله عنه يتبين ذلك من:

أ- أنه قدّم الاعتذار بين يدي مسألته فقال: (إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك) ، فعلم أنه لن يصل إلى بغيته إلا بالاعتذار كما علم أن مثل هذا التشديد يسبب للنبي صلى الله عليه وسلم حرجا في نفسه.

ب- قسمه على النبي صلى الله عليه وسلم في كل سؤال أن يصدقه عما يسأل عنه، وما ذلك إلا لعلمه بعظيم أمر القسم بالله العظيم قال ابن حجر رحمه الله: (وكرر القسم في كل مسألة تأكيدا وتقريرا للأمر) «١» . وإن كان الأليق مع مقام النبوة ترك مثل ذلك.

ج- كما أن من رجاحة عقله أنه ما عرّف بنفسه واسم قبيلته إلا بعد أن أقر بالإيمان، لظنه أن التعريف بنفسه قبل هذه المرحلة لن يكون له شأن، بل قد ينسى بعد كل هذا الحوار، وانظر إلى رجل آمن لتوه كيف يعلم وظيفة الأنبياء والتي تنحصر في التبليغ عن ربهم وأنهم لا يأتون بشيء من عندهم وهذا أبلغ في قبول ما يأمر به الأنبياء، قال ضمام: (آمنت بما جئت به من ربك) .

٢- حكمته في السؤال: وذلك أنه قبل أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ذكّره بالله- سبحانه وتعالى- عن طريق أخذ الإقرار منه صلى الله عليه وسلم بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق للكائنات


(١) انظر فتح الباري (١/ ١٥١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>