فإن قيل: ولماذا لا يكون العكس هو الصحيح؟ بمعنى: أن الشبه في الخلقة والأمر بالاتباع في الملة هما فضيلتان لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قلت: لا، لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من الخليل صلى الله عليه وسلم إجماعا، فتكون الفضيلة للمفضول إذا كان الفاضل يشبهه أو أمر باتباعه.
[الفائدة الثالثة:]
إرادة الله سبحانه وتعالى الشرعية والكونية في إظهار فضل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي بهم إماما، وفي ذلك غاية التشريف والتكريم له صلى الله عليه وسلم، كما تتضمن هذه الإرادة الإلهية إعلام الأنبياء أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو إمامهم وأتقاهم وأعلمهم بالله تبارك وتعالى.
ويتفرع على ذلك أن الأنبياء لو قدر لهم أن يجتمعوا في عصر واحد ما وسعهم إلا أن يتبعوا النبي محمدا صلى الله عليه وسلم، حيث رضى الله عز وجل وقدر أن يكون صلى الله عليه وسلم هو إمامهم في أعظم وأجل العبادات وهى الصلاة، ويؤيد ذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: ٨١] .
وأكتفي بنقل ما ذكره الشيخ السعدي- رحمه الله- في تفسير الآية، حيث قال ما نصه:(فكل الأنبياء لو أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته وكان هو إمامهم ومقدمهم ومتبوعهم فهذه الآية الكريمة من أعظم الدلائل على علو مرتبته وجلالة قدره وأنه أفضل الأنبياء وسيدهم صلى الله عليه وسلم) . انتهى.
وأقول: لا استبعد أن يكون رضى الأنبياء بالصلاة مأمومين خلف النبي صلى الله عليه وسلم وتسليمهم بأحقيته صلى الله عليه وسلم في الإمامة يدخل ضمن الميثاق الذي أخذه الله تبارك وتعالى عليهم.
وأود أن أبين ما عناه الشيخ السعدي- رحمه الله- بقوله:(فهذه الآية الكريمة من أعظم الدلائل على علو مرتبته..) فالشاهد في الآية أن كل نبي من لدن آدم إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام قد أخذ الله عليهم العهد بنصرة واتباع نبينا صلى الله عليه وسلم، إلا هو صلى الله عليه وسلم فلم يؤخذ عليه مثل هذا العهد، فلم يؤمر باتباع أو نصرة أي نبي حيث إنه صلى الله عليه وسلم خاتمهم.
[الفائدة الرابعة:]
قال القاضي عياض- رحمه الله- في صلاة إبراهيم عليه السلام:
(وقد تكون الصلاة هنا بمعنى الذكر والدعاء وهي من أعمال الآخرة)«١» . انتهى، ولكني أرجح- والله تعالى أعلم- أنها صلاة حقيقية وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:«وإذا إبراهيم قائم يصلي»