للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ يذهب فيكذب على الله، وسألتك هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب، وسألتك هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنّهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك هل قاتلتموه؟

فزعمت أنّكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرّسل تبتلى ثمّ تكون لهم العاقبة. وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أنّه لا يغدر، وكذلك الرّسل لا تغدر. وسألتك هل قال أحد هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت لو كان قال هذا القول أحد قبله، قلت: رجل ائتمّ بقول قيل قبله قال: ثمّ قال: بم يأمركم؟ قال قلت:

يأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّلة والعفاف. قال: إن يك ما تقول فيه حقّا فإنّه نبيّ، وقد كنت أعلم أنّه خارج، ولم أك أظنّه منكم، ولو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغنّ ملكه ما تحت قدميّ. قال: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأه، فإذا فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم. من محمّد رسول الله، إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى. أمّا بعد ... فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام. أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين؛ فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين. ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ- إلى قوله- اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده، وكثر اللّغط، وأمر بنا فأخرجنا. قال:

فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنّه ليخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه سيظهر حتّى أدخل الله عليّ الإسلام. قال الزّهريّ:

فدعا هرقل عظاماء الرّوم، فجمعهم في دار له فقال: يا معشر الرّوم هل لكم في الفلاح والرّشد آخر الأبد، وأن يثبت لكم ملككم؟ قال: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلّقت. فقال: عليّ بهم فدعا بهم. فقال: إنّي إنّما اختبرت شدّتكم على دينكم، فقد رأيت منكم الّذي أحببت فسجدوا له ورضوا عنه. رواه البخاري «١» .

[ملخص الحديث:]

أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أرسل دحية الكلبي رضي الله عنه بكتاب، وأمره أن يسلمه إلى عظيم بصرى ليسلمه عظيم بصرى إلى هرقل عظيم الروم، فلما استلم هرقل الكتاب، أمر أن يبحثوا له عن أحد من قوم النبي صلّى الله عليه وسلّم ليسألهم عن خبره، فتصادف وجود أبي سفيان بن حرب في الشام


(١) البخاري، كتاب: تفسير القرآن، باب: يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا، برقم (٤٥٥٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>