للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفائدة الثانية عشرة:]

في سماعه صلى الله عليه وسلم صريف الأقلام مسائل نذكر منها:

١- إثبات كتابة الملائكة المستمرة إلى قيام الساعة؛ لأن صريف الأقلام هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه، ففيه إثبات كتابة الملائكة، وأنها تكتب بأقلام، وأن هذه الأقلام عند كتابتها لها صوت مسموع ويتفرع على ذلك أن الكتابة كتابتان:

الأولى: هي التي في اللوح المحفوظ، وفيه ما كتبه الله وقدره قبل الخلق، لما (رواه البخاري) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «التقى آدم وموسى، فقال موسى لآدم:

آنت الّذي أشقيت النّاس وأخرجتهم من الجنّة؟ قال آدم: أنت موسى الّذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التّوراة؟ قال: نعم قال: فوجدتها كتب عليّ قبل أن يخلقني؟ قال: نعم، فحجّ آدم موسى» «١» .

وعن اللوح المحفوظ قال تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق: ٢٩] ، فالذي باللوح المحفوظ، لا يتبدل ولا يتغير أبدا، إذ فيه الأمر الثابت في كل شيء، إلى قيام الساعة، قال تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج: ٧٠] .

الثانية: الكتب التي في أيدي الملائكة الكرام وهي التي تكون فيها كتابة ما يجري الآن في ملكوت الله، وهي التي ذكرت في حديث الباب، وهي التي يكون فيها المحو والإثبات، وقد جمع الله عز وجل، ما في اللوح المحفوظ، وما في أيدي الملائكة من كتب في قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد: ٣٩] .

٢- كتابة الله لكل شيء في اللوح المحفوظ، ليس لأنه سبحانه تعالى قد ينسى أو يغافل، سبحانه فإنه منزه عن ذلك، قال تعالى في قصة موسى مع فرعون: قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى [طه: ٥١- ٥٢] ، فأثبتت الآية أن الكتابة ليست لغافلة قد تحدث أو نسيان، ولكن الله عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد، فلعل حكمة الكتابة إظهار عظمة الله سبحانه وتعالى، وقدرته التي أعجزت العقول، وحيرت الفحول، فالكتابة هي زائدة عن العلم، فالذي علم كل شيء وقدر على كتابة كل شيء، أقدر وأعظم وأحكم من الذي علم ولم يكتب، خاصة إذا كانت الكتابة لا تنقص ولا تزيد عن الذي قدّره وقضاه، وقد تكون الكتابة ليطمئن العبد، ويتأكد أن الذي


(١) رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه: ٤١] ، برقم (٤٧٣٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>