للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفائدة الثّالثة:

وجوب التراحم بين الناس كلهم جميعا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يرحم» ، وإن جاءت هذه المقالة بمناسبة عدم رحمة الوالد ولده، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم «من لا يرحم ولده لا يرحم» ، ولكن قال: من لا يرحم لا يرحم، بحذف المفعول، وذلك يدل على وجوب تعميم الرحمة بالمخلوقات كلها وبقدر ما يرحم المسلم غيره، بقدر ما ينال من رحمة الله، وفي المقابل بقدر ما يبخل المسلم برحمته على غيره، بقدر ما يحرم من رحمة الله- سبحانه وتعالى- فالرحمة من صفات الرب- جل في علاه- واسم من أسمائه الحسنى، فيا حظه السعيد من تمثل بهذه الصفة! ويا شقاء من خلا من تلك الصفة! وجعل بينه وبينها سدّا منيعا، وظن أن ذلك من الرجولة والفحولة، وأن الرحمة من الليونة والأنوثة.

ويتفرع عليه: ذم جفاء القلب وغلظته، لأن هذا القلب ليس بمحل لرحمة الناس، كما يتفرع عليه مدح رقة القلب ورحمته، لأن هذا القلب هو المحل القابل لرحمة الناس.

الفائدة الرّابعة:

بيان ما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم حيث استفدنا كل المعاني السابقة، وما خفي علينا كان أكثر، من جملة تكونت من اسم موصول وحرف نفي وفعل مضارع، ومع تكرار الحرف مرتين والفعل مرتين، أحدهما بني للمعلوم والآخر للمجهول، لا تشعر بسماعه الأذن بأي تكلف أو نكارة، بل تشعر بمنتهى الراحة والتجانس، ولا تزداد بتكرار هذا القول إلا حبّا له واشتياقا لتكراره، إنه كلام النبوة.

ب- شفقته صلى الله عليه وسلم بالخدم:

عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذرّ وعليه حلّة، وعلى غلامه مثلها فسألته عن ذلك قال: فذكر أنّه سابّ رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيّره بأمّه قال: فأتى الرّجل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة؛ إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه، فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم عليه» «١» .

الشّاهد في الحديث:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم» .


(١) البخاري، كتاب: الإيمان، باب: المعاصي من أمر الجاهلية ... ، برقم (٣٠) ، ومسلم، كتاب: الأيمان، باب: إطعام المملوك مما يأكل ... ، برقم (١٦٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>