للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي كان يجلس إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال القرطبي في اختلاف أسماء هؤلاء: «والكل محتمل؛ فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم ربما جلس إليهم في أوقات مختلفة ليعلمهم مما علمه الله وكان ذلك بمكة، وقال النحاس: وهذه الأقوال ليست بمتناقضة؛ لأنه يجوز أن يكونوا أومئوا إلى هؤلاء جميعا وزعموا أنهم يعلمونه» انتهى «١» .

ولا شك أن اهتمام القرآن برد كل فرية افتراها الكفار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لهي من دلالات الاعتناء الإلهي به، والحرص على تبرئة ساحته، وكان يمكن أن يقوم هو بالدفاع عن نفسه، ولكن نزول القرآن كان أجل وأعظم.

[بعض فوائد الآية الكريمة:]

[الفائدة الأولى:]

بيان كره الكفار للرسول صلّى الله عليه وسلّم ولما أنزل إليه من الآيات والذكر الحكيم، واتضح ذلك جليّا في محاولاتهم إثبات أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يوحى إليه من ربه.

[الفائدة الثانية:]

غباء الكفار وسفاهة عقولهم، حيث اتهموا النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه يتعلم القرآن من أعجمي لا يجيد العربية، ويبدو أن الحقد قد أعمى قلوبهم وأذهب عقولهم فلم يجيدوا حتى الكذب.

وقد يكون هذا من باب مكر الله بهم، حيث جعلهم يتكلمون بما يفضحهم ويبين كذبهم وحقدهم وتخبطهم.

[الفائدة الثالثة:]

هذه الواقعة ومثيلاتها لهي أبلغ برهان على أن القرآن كتاب من عند الله عزّ وجلّ، والدليل من الواقعة أن الذي يكذب- كما فعل الكفار في هذه الفرية سرعان ما يتضح كذبه ويفضح بين الخلائق وهو لا يستطيع أن يستمر في إتقان كذبه مدة طويلة، وكما ذكرت فهو من مكر الله به، فهل يعقل أن يأتي النبي صلّى الله عليه وسلّم- من عند نفسه- بهذا القرآن ويتكلم به على مدار ثلاث وعشرين سنة، ولا يظهر للناس جميعا على اختلاف مللهم ونحلهم أيّ تناقص في الكتاب الكريم ينم عن الكذب أو حتى التناقض.

[الفائدة الرابعة:]

بيان ما كان عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم من حرص على تبليغ الدعوة إلى كافة الناس عربهم وعجمهم، ودليله ما ذكره المفسرون في سبب نزول الآية، من أنه كان يجلس إلى الغلمان الأعاجم يعلمهم القرآن، فسبحان الله العظيم، كلما أراد الكفار أن يخفضوا من مقام النبي صلّى الله عليه وسلّم تكون أجل مناسبة ليعلي الله شأنه ويرفع ذكره


(١) انظر الجامع لأحكام القرآن (١٠/ ١٧٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>