للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موافق للصواب، بل أثنى النبي على غيرته، قلت: هناك زيادة في الحديث لا يذكرها عامة الشيوخ، تبين أن النبي قد وجه سعدا أن القتل خطأ، ويجب عليه التروي، لأن الله يحب العذر.

وقد وردت الزيادة عند مسلم، عن المغيرة بن شعبة قال: قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح عنه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

«أتعجبون من غيرة سعد فو الله لأنا أغير منه، والله أغير منّي من أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشّرين ومنذرين، ولا شخص أحبّ إليه المدحة من الله من أجل ذلك وعد الله الجنّة» .

[الدرس الرابع والثلاثون: نستفيد من الحديث كيفية تربية الله لهذه الأمة]

حيث أراد الله- عز وجل- أن يربيها على المحن والشدائد والصعاب، ليس لأفراد الأمة فقط، بل كانت تلك هي تربية الله لمعلم هذه الأمة وقائدها وهو النبي صلى الله عليه وسلم، نأخذ ذلك من قول عائشة رضي الله عنها: (وقد مكث شهرا لا يوحى إليه) ، ترى ما فائدة انقطاع الوحي شهرا كاملا؟ في وقت يخوض الناس في عرض خير البرية وأخشاهم وأتقاهم، بل أحبهم لله، لماذا انقطع الوحي وامرأة حديثة السن شريفة عفيفة تمرض وتلازم الفراش شهرا، حتى تخاف على كبدها أن ينفلق من كثرة البكاء؟

لماذا انقطع الوحي والمنافقون يروجون لشائعة لو حاسبنا الله- عز وجل- على ترويجها لهلكت الأمة؟ وما ذلك إلا انتقاما لمقام النبوة، لم يتوقف الأمر على المنافقين، بل روج للشائعة بعض من زلّ من الصحابة وإن كانوا نفرا قليلا، لماذا انقطع الوحي والمدينة تصبح وتمسي وكأن زلزالا قد ضربها؟ والإجابة عن كل تلك الأسئلة هي تربية الله لهذه الأمة بالفتنة وبالابتلاء ليرفع الله بها درجات من عصمه، ويكون درسا قاسيا لمن تكلم وخاض، لعله يكون درسا للأمة إلى يوم القيامة كيف تعمل الكلمة في المجتمع، كيف ترجف به، كيف تجعل الحليم حيرانا، درس للأمة أن تتثبت ولا تروج للشائعات والأكاذيب، كما علّمنا القرآن الكريم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ [الحجرات:

٦] ، وكما ذكرت من قبل كان من الممكن أن تنزل براءة عائشة رضي الله عنها قبل

<<  <  ج: ص:  >  >>