عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس جاء يهوديّ. فقال: يا أبا القاسم ضرب وجهي رجل من أصحابك. فقال:«من؟» قال: رجل من الأنصار. قال:«ادعوه» . فقال:«أضربته؟» قال: سمعته بالسّوق يحلف والّذي اصطفى موسى على البشر. قلت: أي خبيث على محمّد صلّى الله عليه وسلّم؟ فأخذتني غضبة ضربت وجهه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:«لا تخيّروا بين الأنبياء، فإنّ النّاس يصعقون يوم القيامة فأكون أوّل من تنشقّ عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أكان فيمن صعق أم حوسب بصعقة الأولى»«١» .
[الشاهد في الحديث:]
قول المسلم لليهودي: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا) .
[بعض فوائد الحديث:]
[الفائدة الأولى:]
في الشمائل النبوية:
١- ثبوت اصطفاء النبي صلّى الله عليه وسلّم على جميع البشر، الأولين والآخرين، ودليله من الحديث، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم ينكر على الأنصاري فهمه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم هو المصطفى على البشر جميعا، بما فيهم موسى وأن قول اليهودي:(والذي اصطفى موسى على البشر) في وجود النبي صلّى الله عليه وسلّم خطأ، فلو كان هذا الفهم من الصحابي غير صحيح لبينه النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحال، ولكن الذي أغضب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لطم وجه من له عهد وذمة، وحدوث التفاضل بما ينتقص من قدر الأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام.
قال ابن حجر- رحمه الله- ما نصه: (قال العلماء في نهيه صلّى الله عليه وسلّم عن التفضيل بين الأنبياء: إنما نهي عن ذلك من يقوله برأيه لا من يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع، أو المراد لا تفضلوا بجميع أنواع التفاضل بحيث لا يترك للمفضول فضيلة، فالإمام مثلا إذا قلنا: إنه أفضل من المؤذن لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان وقيل: النهي عن التفضيل إنما هو في حق النبوة نفسها كقوله تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات
(١) البخاري، كتاب: الخصومات، باب: ما يذكر في الإشخاص والخصومة، برقم (٢٤١٢) .