٢- فيه التحذير كل التحذير، من أدنى أدنى أعمال الشرك، لأن الرسول قال «أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا» وكلمة (شيئا) نكرة في سياق النفي، وهي تقتضي العموم، فتشمل أدنى أفعال الشرك.
٣- علمنا من الحديث أن الذين يدعون من دون الله أولياء، ويطلبون منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، أو يعتقدون أن النفع والضر، يشارك الله فيه أحد، وماتوا على ذلك دخلوا النار مخالدين فيها أبدا.
٤- على المسلم المبتغي مرضاة الله، الحريص على الجنة، وحسن الخاتمة، أن يسأل الله الثبات على الإيمان، لأن الإيمان هو الذي يدخل العبد الجنة، وألا يتكل على هذه البشارة، وليعلم أن المعاصي بريد الكفر والشيطان حريص على وقوعه في الشرك، وليعلم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، وأن يتذكر قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)[آل عمران: ١٠٢] . وقد فسر العلماء الآية، بأنها أمر من الله بالطاعة والتقوى، ومواصلة الأعمال الصالحة حتى يثبت المسلم ويموت وهو مؤمن، بل إن المسلم الصادق بقدر فرحه بهذا الحديث واستبشاره به، بقدر اجتهاده في العبادة، كما فعل النبي لما غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قام لله شكرا على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة عليه وقال:«أفلا أكون عبدا شكورا»«١» ، وهو نفس ما أمر الله به آل داود، قال- سبحانه وتعالى-: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: ١٣] .
[الفائدة الخامسة:]
التأكيد على أمر العبادة، فلم يقتصر حق الله على العباد ألايشركوا به شيئا بل ذكر «أن يعبدوه» والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ورسوله، ونتقرب به إلى الله عزّ وجلّ، أي تشمل جميع أنواع الطاعات، ولو كانت العبادة ليست بشرط في دخول الجنة، ما ذكرها النبي في موضع يبين فيه عظيم امتنان الله على عباده المؤمنين، وفي هذا رد على من يقول: يكفي أن قلبي سليم، والله رب قلوب، وأنا لا أوذي أحدا، وهذا يكفي لدخول الجنة، والحديث حجة على هؤلاء.
[الفائدة السادسة:]
على العالم ألا يلقي مسائل العلم العظيمة إلا بعد أن يتأكد أن طلبة العلم قد أرعوه كامل انتباههم، ويمكن أن يتأكد أيضا بسؤالهم عما فهموه بعد إلقاء المسألة، وللتفريط الواقع في هذه المسألة نرى كثيرا من طلبة العلم قد ينسبون لمشايخهم ما لم يقولوه.
(١) البخاري، كتاب: الجمعة، باب: قيام النبي صلّى الله عليه وسلّم الليل، برقم (١١٣٠) ، مسلم، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، برقم (٢٨١٩) ، من حديث المغيرة بن شعبة.