الأقصى- صريحة في القرآن، فالتكذيب بها كفر بلا شك، قال تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء: ١] .
[والآية الكريمة فيها فوائد منها:]
أ- بدأت الآية بتنزيه الله- عز وجل- وتمجيده
، ليستقر في قلب السامع أنه قادر على كل شيء، فإذا استقر ذلك، أخبر أنه أسرى بعبده، فيرد الخبر على قلب لا يتعجب من خرق النواميس الكونية، بقدرة الله العظيمة، كما أنه لا مجال لتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يدّع أنه هو الذي سرى، بل أسري به، والذي أسرى به هو الله، فالذي يستبعد الواقعة فإنما يكذب الله ويستعظم ذلك على قدرته.
ب- أثبتت الآية أن وقت الإسراء هو الليل، وهذا أدعى لحضور القلب
، ومصداق ذلك قوله تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل: ٦] ، كما بينت الآية بداية الإسراء وهو المسجد الحرام، ونهايته وهو المسجد الأقصى، وبذلك يكون المسجد الأقصى هو بادية المعراج بلا خلاف.
ج- أثبتت الآية أن الإسراء والمعراج كان بالجسد والروح
لقوله تعالى: أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء: ١] ولفظة: «العبد» لا تطلق على الروح فقط، كما نقطع أنها لم تكن رؤية منام، لقوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء: ٦٠] ، ولا أحد يقول:
إن رؤيا المنام فتنة، فكل إنسان يرى في المنام ما يتصوره العقل وما لا يتصوره، ولا أحد يتهمه بالكذب، كما أن الكفار لو فهموا من كلام النبي أن الحادثة كانت رؤيا في المنام، ما كذبوه، وما طلبوا الدليل على صدقه، حيث سألوه أن يصف لهم بيت المقدس، كما ورد في الصحيح- وبوبت له بابا- وما ارتد بسبب ذلك بعض الناس، بل كانت فضيلة ظاهرة لأبي بكر وذلك أنه صدقها بمجرد معرفته أن النبي هو الذي أخبر بها.
د- مقام العبودية، هو أعظم مقامات الأنبياء
بلا شك، علمنا ذلك من الآية حيث ذكرت النبي، بصفة العبودية، وهي في معرض الحديث عن أعظم معجزاته، وأرقى مقاماته، فقطعنا أن العبودية لأي مسلم، خاصة الأنبياء، هي أشرف المنازل؛ ولذلك ذكرها الله في الآية، لتناسب أعظم أحواله صلى الله عليه وسلم، فكلما زاد المسلم في تحقيق عبوديته لله، زاد من الله قربا، يصدق ذلك، أن الله عز وجل قد أتى بنفس الصفة، وهي صفة العبودية