للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حياته وبذل فيها أغلى ما يملك، من مال ونفس وولد، وبذل كل معروف، وكفّ عن كلّ مكروه، ما عدل كلّ ذلك وأمثاله، جوار النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكن كما أقول دائما: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

المسألة الثانية: إذا كان الميت ينتفع بدفنه بجوار الصالحين، فإنه أيضا يتضرر من جواره لأهل المعاصي والكبائر، وأهل الشقاق والعناد، وعلى المسلم أن يتخير المكان الذي سيدفن فيه، ويوصي به في وصيته، وما عمت به البلوى الآن، أن المسلم لا يبالي أين يدفن، ولا بجوار من سيكون، وانظر إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم لما علم أنه سيموت سأل الله عزّ وجلّ أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، «١» واستجاب الله دعاءه، كما ورد في صحيح البخاري «٢» .

[المثال الثاني:]

فعن ربيعة بن كعب الأسلميّ رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته بوضوئه وحاجته. فقال لي: «سل» . فقلت: أسألك مرافقتك في الجنّة. قال:

«أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك. قال: «فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» «٣» .

[الشاهد في الحديث:]

أن ربيعة بن كعب- وكنيته أبو فراس- طلب مرافقته في الجنة، وليس دخول الجنة فحسب، أي أن الصحابة كانوا يحبون مرافقته ليس في الدنيا فقط، بل في الآخرة، ويرون أن الجنة برفقة الرسول، تكون أسعد بكثير، وإلا لم يكن لطلبه المرافقة معنى.

[فوائد الحديث]

وفي الحديث بعض الفوائد منها:

[الفائدة الأولى:]

تعظيم الصحابة لأمر الجنة، ومرافقة الرسول فيها، حيث إن ذلك كان الطلب الأول لأبي فراس، ولما عرض عليه الرسول أن يطلب شيئا آخر امتنع، لأنه يرى أنه ليس ثمّة شيء آخر يجب أن يزاحم هذا الطلب، أو أنه كان يستصغر كل طلب مع طلب مرافقة النبي صلّى الله عليه وسلّم في الجنة.

[الفائدة الثانية:]

زهد الصحابة في الدنيا، فإن ربيعة كان فقيرا (من أهل الصفة) وعرض عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، أن يطلب أي شيء من أمر الدنيا أو الآخرة لأنه لم يحدد في عرضه ومع ذلك زهد في كل شيء.


(١) أي قرب الأرض المقدسة بهذا القدر، الرمية بحجر.
(٢) البخاري، كتاب: أحاديث الأنبياء باب: وفاة موسى ... ، برقم (٣٤٠٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) مسلم، كتاب: الصلاة، باب: فضل السجود والحث عليه، برقم (٤٨٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>