للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي ينبني على تساوي المتخاصمين في بيان دعواهما، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّما أنا بشر وإنّكم تختصمون، إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض وأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حقّ أخيه شيئا فلا يأخذ فإنّما أقطع له قطعة من النّار» «١» ، أما عدل الله عزّ وجلّ بين المتخاصمين فهو العدل المطلق الذي لا يقدر عليه إلا الله- سبحانه وتعالى-. ويتفرع عليه براءة النبي صلى الله عليه وسلم براءة ربانية أن يكون قد مال في حكمه- طيلة حياته- لأحد المتخاصمين ضد الآخر ولو كان من قرابته وأهل بيته صلى الله عليه وسلم. وأدل دليل على عدله صلى الله عليه وسلم في الحكم، هو قول الله- تعالى-: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [النساء: ١٠٥] ، قال الشيخ السعدي- رحمه الله- (أي بما علمك الله وألهمك) «٢» .

[الفائدة الرابعة:]

الإيمان الذي يرضي الله- سبحانه وتعالى- ويرضى به على العبد المسلم، هو إيمان قلب وجوارح، إيمان عمل واعتقاد، إيمان رضى وتسليم، حيث إن الله عزّ وجلّ أمر بالتحاكم إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر بمطلق الانقياد والرضى والتسليم.

ويتفرع عليه كذب من ينهمك في المعاصي والذنوب ويدعي بأن الله رب قلوب، يقصد بذلك أنه إذا كان القلب نظيفا فلا داعي لعمل الجوارح، والآية ترد عليهم، كما هي حجة على من يهتم بالعبادات الظاهرة ويهمل العبادات الباطنة.

[الفائدة الخامسة:]

إذا كانت الآية قد نزلت بمناسبة التحكيم بين اثنين من الصحابة- في أمر من أمور الدنيا- إلا أنها عامة في وجوب الرضى والتسليم بكل ما قضاه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به، من أمور الدنيا والآخرة، بل أقول: إن الرضى بأمور الآخرة أوجب وأوجب، والقاعدة الأصولية تنص على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

[الفائدة السادسة:]

لا يدخل شخص النبي صلى الله عليه وسلم في عموم نهيه عن حكم القاضي وهو غضبان، فعن عبد الرّحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه- وكان بسجستان- بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان فإنّي سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان» «٣» . ودليله من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غضب وتلوّن وجهه من قول


(١) البخاري، كتاب: الأحكام، باب: موعظة الإمام للخصوم، برقم (٧١٦٩) ، ومسلم، كتاب: الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، برقم (١٧١٣) ، من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(٢) انظر «تيسير الكريم الرحمن» ، (١٩٩) .
(٣) البخاري، كتاب: الأحكام، باب: هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، برقم (٧١٥٨) ، ومسلم، كتاب: الأقضية، باب: كراهة قضاء القاضي وهو غضبان، برقم (١٧١٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>