للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصّبا: هي الريح التي تهب من مشرق الشمس، ونصرته بها صلى الله عليه وسلم كانت يوم الخندق، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً [الأحزاب: ٩] ، فقد أرسلها الله- تبارك وتعالى- على الأحزاب باردة في ليلة شاتية، فقلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم وقلبت قدورهم، فكان ذلك سبب انهزامهم، أما الدبور: فهي ريح تهب من مغرب الشمس، وبها كان هلاك قوم عاد، وصفها الله القوي العزيز في كتابه الكريم بالريح الشديدة، قال- عز من قائل-:

إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ [القمر: ١٩] .

[بعض فوائد الحديث:]

[الفائدة الأولى:]

عجيب قدرة الله- تبارك وتعالى- فقد جعل الريح: (وهو هواء قوي لا يرى بالعين) جندا من جنده، يهزم به أعداءه وينصر به أولياءه، ومن عجيب قدرته أيضا أن نوّع بين أصناف هذه الريح، فهذه ريح تأتي من المشرق تسمى الصّبا، وأخرى تأتي من المغرب تسمى الدبور، وأخرى تأتي من الشمال والجنوب، بل إن هناك ريحا تأتي من بين جهتين، ويقال لها: النكباء. كما ذكر الإمام ابن حجر رحمه الله.

[الفائدة الثانية:]

حب الله- تبارك وتعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم، إذ نوّع له أسباب نصره على عدوه، ليبين له ولأمته شدة اعتنائه به صلى الله عليه وسلم، فتارة ينصره بالريح، وتارة ينصره بالرعب، وأخرى ينصره بالملائكة والروح القدس. بل نصره بأن أراه عدوه صلى الله عليه وسلم في منامه وكأنه فئة قليلة. قال تعالى إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [الأنفال: ٤٣] . وكان يمكن أن يكون سبيل النصر واحدا.

[الفائدة الثالثة:]

كان النبي صلى الله عليه وسلم حقّا رحمة للعالمين إنسهم وجنهم، مسلمهم وكافرهم، ودليله أن الله- تبارك وتعالى- لما أرسل على الأحزاب ريحا لم يجعلها تستأصلهم، بخلاف الريح التي أرسلت على قوم عاد فقد أهلكتهم عن بكرة أبيهم، قال الإمام ابن حجر رحمه الله: (ولما علم الله رأفة نبيه صلى الله عليه وسلم بقومه رجاء أن يسلموا سلط الله عليهم الصبّا، فكانت سبب رحيلهم عن المسلمين لما أصابهم بسببها من الشدة، ومع ذلك لم تهلك منهم أحدا ولم تستأصلهم) «١» .


(١) انظر «فتح الباري» ، (٢/ ٥٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>